الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح القدير للعاجز الفقير
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نُصِرْت يَا عَمْرَو بْنَ سَالِمٍ ثُمَّ أَمَرَ النَّاسَ فَتَجَهَّزُوا وَسَأَلَ اللَّهَ أَنْ يُعْمَى عَلَى قُرَيْشٍ خَبَرُهُمْ حَتَّى يَبْغَتَهُمْ فِي بِلَادِهِمْ».وَذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ نَحْوَ هَذَا وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ لَهُ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَمْ يَكُنْ بَيْنَك وَبَيْنَهُمْ مُدَّةٌ، قَالَ: أَلَمْ يَبْلُغْك مَا صَنَعُوا بِبَنِي كَعْبٍ؟» وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ مَيْمُونَةَ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مُرْسَلًا عَنْ عُرْوَةَ، وَرَوَاهُ مُرْسَلًا عَنْ جَمَاعَةٍ كَثِيرِينَ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي، وَفِيه: «فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَ لَمْ يَكُنْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ مُدَّةٌ؟ فَقَالَ: إنَّهُمْ غَدَرُوا وَنَقَضُوا الْعَهْدَ فَأَنَا غَارٍ بِهِمْ» فِي النَّبْذِ لَا يَكْفِي مُجَرَّدُ إعْلَامِهِمْ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ مُضِيِّ مُدَّةٍ يَتَمَكَّنُ مَلِكُهُمْ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالنَّبْذِ مِنْ إنْفَاذِ الْخَبَرِ إلَى أَطْرَافِ مَمْلَكَتِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُغِيرَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ بِلَادِهِمْ قَبْلَ مُضِيِّ تِلْكَ الْمُدَّةِ.متن الهداية:(وَإِذَا رَأَى الْإِمَامُ مُوَادَعَةَ أَهْلِ الْحَرْبِ وَأَنْ يَأْخُذَ عَلَى ذَلِكَ مَالًا فَلَا بَأْسَ بِهِ) لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَتْ الْمُوَادَعَةُ بِغَيْرِ الْمَالِ فَكَذَا بِالْمَالِ، لَكِنْ هَذَا إذَا كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ حَاجَةٌ، أَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ لَا يَجُوزُ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ، وَالْمَأْخُوذُ مِنْ الْمَالِ يُصْرَفُ مَصَارِفَ الْجِزْيَةِ، هَذَا إذَا لَمْ يَنْزِلُوا بِسَاحَتِهِمْ بَلْ أَرْسَلُوا رَسُولًا؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْجِزْيَةِ، أَمَّا إذَا أَحَاطَ الْجَيْشُ بِهِمْ ثُمَّ أَخَذُوا الْمَالَ فَهُوَ غَنِيمَةٌ يُخَمِّسُهَا وَيُقَسِّمُ الْبَاقِيَ بَيْنَهُمْ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ بِالْقَهْرِ مَعْنًى (وَأَمَّا الْمُرْتَدُّونَ فَيُوَادِعُهُمْ الْإِمَامُ حَتَّى يَنْظُرَ فِي أَمْرِهِمْ) لِأَنَّ الْإِسْلَامَ مَرْجُوٌّ مِنْهُمْ فَجَازَ تَأْخِيرُ قِتَالِهِمْ طَمَعًا فِي إسْلَامِهِمْ (وَلَا يَأْخُذُ عَلَيْهِ مَالًا) لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ لِمَا نُبَيِّنُ (وَلَوْ أَخَذَهُ لَمْ يَرُدَّهُ) لِأَنَّهُ مَالٌ غَيْرُ مَعْصُومٍ.الشَّرْحُ:قولهُ: (وَإِنْ رَأَى الْإِمَامُ مُوَادَعَةَ أَهْلِ الْحَرْبِ وَأَنْ يَأْخُذَ) الْمُسْلِمُونَ (عَلَى ذَلِكَ مَالًا جَازَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ بِلَا مَالٍ فَبِالْمَالِ وَهُوَ أَكْثَرُ نَفْعًا أَوْلَى، إلَّا أَنَّ هَذَا إذَا كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ حَاجَةٌ، أَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ فَلَا يُوَادِعُهُمْ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ) يَعْنِي قولهُ: لِأَنَّهُ تَرْكٌ لِلْجِهَادِ صُورَةً وَمَعْنًى.قَالَ شَارِحٌ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إشَارَةً إلَى قولهِ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْأَجْرَ: يَعْنِي فِي مَسْأَلَةِ الْجُعْلِ قَبْلَ بَابِ كَيْفِيَّةِ الْقِتَالِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمُوَادَعَةَ تَجُوزُ وَأَخْذُ مَالِهِمْ لَا يَجُوزُ إذَا كَانَ مَالُ الْمُسْلِمِينَ كَثِيرًا غَيْرَ أَنَّهُمْ لَيْسُوا مُتَأَهِّبِينَ لِلْحَرْبِ لِقِلَّةِ الْعَدَدِ الْحَاضِرِ لِتَفَرُّقِ الْمُقَاتِلَةِ فِي الْبِلَادِ وَنَحْوِهِ وَهُوَ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ جِهَادٌ، وَفِي أَخْذِ مَالِهِمْ كَسْرٌ لِشَوْكَتِهِمْ وَتَقْلِيلٌ لِمَادَّتِهِمْ فَأَخْذُهُ لِهَذَا الْمَعْنَى مِنْ الْجِهَادِ لَا الْأُجْرَةِ عَلَى التَّرْكِ وَبِاعْتِبَارِهِ، ثُمَّ مَا يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا الْمَالِ يُصْرَفُ مَصَارِفَ الْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ إنْ كَانَ قَبْلَ النُّزُولِ بِسَاحَتِهِمْ بَلْ بِرَسُولٍ، أَمَّا إذَا نَزَلْنَا بِهِمْ فَهُوَ غَنِيمَةٌ يُخَمِّسُهَا وَيُقَسِّمُ الْبَاقِيَ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْهُمْ قَهْرًا مَعْنًى.وَأَمَّا الْمُرْتَدُّونَ فَلَا بَأْسَ بِمُوَادَعَتِهِمْ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ إذَا غَلَبُوا عَلَى بَلْدَةٍ وَصَارَتْ دَارُهُمْ دَارَ الْحَرْبِ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ فِيهِ تَقْرِيرَ الْمُرْتَدِّ عَلَى الرِّدَّةِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَلِهَذَا قَيَّدَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِمَا ذَكَرْنَا، قَالَ: يَدُلُّ عَلَيْهِ وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ فِي مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيُّ بِقولهِ غَلَبَ الْمُرْتَدُّونَ عَلَى دَارٍ مِنْ دُورِ الْإِسْلَامِ فَلَا بَأْسَ بِمُوَادَعَتِهِمْ عِنْدَ الْخَوْفِ، فَلَوْ وَادَعَهُمْ عَلَى الْمَالِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْجِزْيَةِ وَلَا تُقْبَلُ مِنْ الْمُرْتَدِّ جِزْيَةٌ.وَقولهُ (لِمَا نُبَيِّنُ) يَعْنِي فِي بَابِ الْجِزْيَةِ (وَ) مَعَ هَذَا (لَوْ أَخَذَهُ لَا يَرُدَّهُ) عَلَيْهِمْ لِأَنَّ مَالَهُمْ فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ إذَا ظَهَرُوا، بِخِلَافِ مَا إذَا أُخِذَ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ حَيْثُ يُرَدُّ عَلَيْهِمْ بَعْدَمَا وَضَعَتْ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فَيْئًا إلَّا أَنَّهُ لَا يَرُدُّهُ حَالَ الْحَرْبِ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ لَهُمْ.متن الهداية:وَلَوْ حَاصَرَ الْعَدُوُّ الْمُسْلِمِينَ وَطَلَبُوا الْمُوَادَعَةَ عَلَى مَالٍ يَدْفَعُهُ الْمُسْلِمُونَ إلَيْهِمْ لَا يَفْعَلُهُ الْإِمَامُ لِمَا فِيهِ مِنْ إعْطَاءِ الدَّنِيَّةِ وَإِلْحَاقِ الْمَذَلَّةِ بِأَهْلِ الْإِسْلَامِ إلَّا إذَا خَافَ الْهَلَاكَ، لِأَنَّ دَفْعَ الْهَلَاكِ وَاجِبٌ بِأَيِّ طَرِيقٍ يُمْكِنُ.الشَّرْحُ:قولهُ: (وَلَوْ حَاصَرَ الْعَدُوُّ الْمُسْلِمِينَ وَطَلَبُوا الْمُوَادَعَةَ عَلَى مَالٍ يَدْفَعُهُ الْمُسْلِمُونَ إلَيْهِمْ لَا يَفْعَلُهُ الْإِمَامُ لِمَا فِيهِ مِنْ إعْطَاءِ الدَّنِيَّةِ) أَيْ النَّقِيصَةِ، وَمِنْ ذَلِكَ قول عُمَرَ لِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي الْحُدَيْبِيَةِ وَكَانَ مُتَجَانِفًا عَنْ الصُّلْحِ: أَلَيْسَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: بَلَى، قَالَ: أَوْ لَسْنَا بِالْمُسْلِمِينَ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: أَوْ لَيْسُوا بِالْمُشْرِكِينَ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَعَلَامَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا؟ فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: الْزَمْ غَرْزَهُ، فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ عُمَرُ: وَأَنَا أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي السِّيَرِ.وَفِي الْحَدِيثِ «لَيْسَ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ فَالْعِزَّةُ خَاصِّيَّةُ الْإِيمَانِ» قَالَ اللَّهُ تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} (إلَّا إذَا خَافَ) الْإِمَامُ (الْهَلَاكَ) عَلَى نَفْسِهِ وَالْمُسْلِمِينَ فَلَا بَأْسَ «لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا اشْتَدَّ عَلَى النَّاسِ الْبَلَاءُ فِي وَقْعَةِ الْخَنْدَقِ أَرْسَلَ إلَى عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ الْفَزَارِيِّ وَالْحَرْثِ بْنِ عَوْفِ بْنِ أَبِي حَارِثَةَ الْمُرِّيِّ وَهُمَا قَائِدَا غَطَفَانَ وَأَعْطَاهُمَا ثُلُثَ ثِمَارِ الْمَدِينَةِ عَلَى أَنْ يَرْجِعَا بِمَنْ مَعَهُمَا، فَجَرَى بَيْنَهُمَا الصُّلْحُ حَتَّى كَتَبُوا الْكِتَابَ وَلَمْ تَقَعْ الشَّهَادَةُ وَلَا عَزِيمَةُ الصُّلْحِ، فَلَمَّا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَفْعَلَ بَعَثَ إلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَذَكَرَ لَهُمَا ذَلِكَ وَاسْتَشَارَهُمَا فِيهِ، فَقَالَا لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمْرًا تُحِبُّهُ فَتَصْنَعَهُ أَمْ شَيْئًا أَمَرَك اللَّهُ بِهِ لَا بُدَّ لَنَا مِنْ الْعَمَلِ بِهِ أَمْ شَيْئًا تَصْنَعُهُ لَنَا؟ قَالَ: بَلْ شَيْءٌ أَصْنَعُهُ لَكُمْ، وَاَللَّهِ مَا أَصْنَعُ ذَلِكَ إلَّا لِأَنِّي رَأَيْت الْعَرَبَ قَدْ رَمَتْكُمْ عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ وَكَالَبُوكُمْ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ فَأَرَدْت أَنْ أَكْسِرَ عَنْكُمْ مِنْ شَوْكَتِهِمْ إلَى أَمْرٍ مَا، فَقَالَ لَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ كُنَّا نَحْنُ وَهَؤُلَاءِ الْقَوْمُ عَلَى الشِّرْكِ بِاَللَّهِ وَعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ لَا نَعْبُدُ اللَّهَ وَلَا نَعْرِفُهُ وَهُمْ لَا يَطْمَعُونَ أَنْ يَأْكُلُوا مِنَّا تَمْرَةً إلَّا قِرًى أَوْ بَيْعًا، أَفَحَيْنَ أَكْرَمَنَا اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ وَهَدَانَا لَهُ وَأَعَزَّنَا بِك وَبِهِ نُعْطِيهِمْ أَمْوَالَنَا؟ مَا لَنَا بِهَذَا مِنْ حَاجَةٍ، وَاَللَّهِ مَا نُعْطِيهِمْ إلَّا السَّيْفَ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَأَنْتَ وَذَاكَ، فَتَنَاوَلَ سَعْدٌ الصَّحِيفَةَ فَمَحَا مَا فِيهَا مِنْ الْكِتَابَةِ، ثُمَّ قَالَ: لِيُجْهِدُوا عَلَيْنَا».قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي بِهِ عَاصِمُ بْنُ عَمْرِو بْنِ قَتَادَةَ وَمَنْ لَا أَتَّهِمُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ.وَعَلَّلَ الْمُصَنِّفُ هَذَا بِقولهِ (لِأَنَّ دَفَعَ الْهَلَاكِ وَاجِبٌ بِأَيِّ طَرِيقٍ يُمْكِنُ) وَهُوَ تَسَاهُلٌ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ دَفْعُ الْهَلَاكِ بِإِجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ وَلَا بِقَتْلِ غَيْرِهِ لَوْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ بِقَتْلِ نَفْسِهِ بَلْ يَصْبِرُ لِلْقَتْلِ وَلَا يَقْتُلُ غَيْرَهُ؛ وَلَوْ شَرَطُوا فِي الصُّلْحِ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ مَنْ جَاءَ مُسْلِمًا مِنْهُمْ بَطَلَ الشَّرْطُ فَلَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ فَلَا يُرَدُّ إلَيْهِمْ مَنْ جَاءَنَا مِنْهُمْ مُسْلِمًا وَهُوَ قول مَالِكٍ.وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ فِي الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ ذَلِكَ فِي الْحُدَيْبِيَةِ حِينَ جَاءَ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ عَمْرِو بْنِ سُهَيْلٍ وَكَانَ قَدْ أَسْلَمَ فَرَدَّهُ، فَصَارَ يُنَادِي يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ أَأُرَدُّ إلَى الْمُشْرِكِينَ يَفْتِنُونِي عَنْ دِينِي؟ فَقَالَ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «اصْبِرْ أَبَا جَنْدَلٍ وَاحْتَسِبْ فَإِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ لَك وَلِمَنْ مَعَك مِنْ الْمُسْتَضْعَفِينَ فَرَجًا وَمَخْرَجًا، وَكَذَا رَدَّ أَبَا بَصِيرٍ» وَأَمَّا لَوْ شُرِطَ مِثْلُهُ فِي النِّسَاءِ لَا يَجُوزُ رَدُّهُنَّ وَلَا شَكَّ فِي انْفِسَاخِ نِكَاحِهَا، فَلَوْ طَلَبَ زَوْجُهَا الْحَرْبِيُّ الْمَهْرَ هَلْ يُعْطَاهُ؟ لِلشَّافِعِيِّ فِيهِ قولانِ: فِي قول لَا يُعْطَاهُ وَهُوَ قولنَا، وَقول مَالِكٍ وَأَحْمَدَ، وَفِي قول يُعْطَاهُ، قَالَ تعالى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إلَى الْكُفَّارِ} وَهَذَا هُوَ دَلِيلُ النَّسْخِ فِي حَقِّ الرِّجَالِ أَيْضًا، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ فِي ذَلِكَ، بَلْ مَفْسَدَةُ رَدِّ الْمُسْلِمِ إلَيْهِمْ أَكْثَرُ، وَحِينَ شُرِعَ ذَلِكَ كَانَ فِي قَوْمٍ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ لَا يُبَالِغُونَ فِي تَعْذِيبِهِ، فَإِنَّ كُلَّ قَبِيلَةٍ لَا تَتَعَرَّضُ لِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ قَبِيلَةٍ أُخْرَى إنَّمَا يَتَوَلَّى رَدْعَهُ عَشِيرَتَهُ، وَهُمْ لَا يَبْلُغُونَ فِيهِ أَكْثَرَ مِنْ الْقَيْدِ وَالسَّبِّ وَالْإِهَانَةِ، وَلَقَدْ كَانَ بِمَكَّةَ بَعْدَ هِجْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِثْلِ أَبِي بَصِيرٍ وَأَبِي جَنْدَلِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سُهَيْلٍ إلَى نَحْوِ سَبْعِينَ لَمْ يَبْلُغُوا فِيهِمْ النِّكَايَةَ لِعَشَائِرِهِمْ وَالْأَمْرُ الْآنَ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ.متن الهداية:(وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُبَاعَ السِّلَاحُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَلَا يُجَهَّزُ إلَيْهِمْ) لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَهَى عَنْ بَيْعِ السِّلَاحِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَحَمْلِهِ إلَيْهِمْ، وَلِأَنَّ فِيهِ تَقْوِيَتَهُمْ عَلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ فَيُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَكَذَا الْكُرَاعُ لِمَا بَيَّنَّا، وَكَذَلِكَ الْحَدِيدُ لِأَنَّهُ أَصْلُ السِّلَاحِ، وَكَذَا بَعْدَ الْمُوَادَعَةِ؛ لِأَنَّهَا عَلَى شَرَفِ النَّقْضِ أَوْ الِانْقِضَاءِ فَكَانُوا حَرْبًا عَلَيْنَا، وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ فِي الطَّعَامِ وَالثَّوْبِ، إلَّا أَنَّا عَرَفْنَاهُ بِالنَّصِّ «فَإِنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَمْرَ ثُمَامَةَ أَنْ يَمِيرَ أَهْلَ مَكَّةَ وَهُمْ حَرْبٌ عَلَيْهِ».الشَّرْحُ:قولهُ: (وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُبَاعَ السِّلَاحُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ) إذَا حَضَرُوا مُسْتَأْمَنِينَ (وَلَا يُجَهَّزُ إلَيْهِمْ) مَعَ التُّجَّارِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَهَى عَنْ بَيْعِ السِّلَاحِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَحَمَلَهُ إلَيْهِمْ. وَالْمَعْرُوفُ مَا فِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ وَمُسْنَدِ الْبَزَّارِ وَمُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ بَحْرِ بْنِ كُنَيْزٍ السَّقَّاءِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ اللَّقِيطِيِّ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ السِّلَاحِ فِي الْفِتْنَةِ». قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: الصَّوَابُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ.وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُصْعَبٍ الْقَرْقَسَانِيِّ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ، ضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَهُوَ عِنْدِي لَا بَأْسَ بِهِ، وَنُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ نَحْوُ ذَلِكَ.قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلِأَنَّ فِيهِ) أَيْ فِي نَقْلِ السِّلَاحِ وَتَجْهِيزِهِ إلَيْهِمْ (تَقْوِيَتَهُمْ عَلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ وَكَذَا الْكُرَاعِ) أَيْ الْخَيْلِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ مَا قَبْلَ الْمُوَادَعَةِ وَبَيْنَ مَا بَعْدَهَا (لِأَنَّهَا عَلَى شَرَفِ الِانْقِضَاءِ أَوْ النَّقْضِ) قَالَ: (وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي الطَّعَامِ) أَيْ الْقِيَاسُ فِيهِ أَنْ يُمْنَعَ مِنْ حَمْلِهِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّهُ بِهِ يَحْصُلُ التَّقْوَى عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَالْمَقْصُودُ إضْعَافُهُمْ (إلَّا أَنَّا عَرَفْنَاهُ) أَيْ نَقْلَ الطَّعَامِ إلَيْهِمْ (بِالنَّصِّ) يَعْنِي حَدِيثَ ثُمَامَةَ، وَحَدِيثَ إسْلَامِهِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَذَكَرَ قِصَّةَ إسْلَامِ ثُمَامَةَ، وَفِي آخِرِهِ قولهُ لِأَهْلِ مَكَّةَ حِينَ قَالُوا لَهُ أَصَبَوْت؟ فَقَالَ: «إنِّي وَاَللَّهِ مَا صَبَوْت وَلَكِنِّي أَسْلَمْت وَصَدَّقْت مُحَمَّدًا وَآمَنْت بِهِ، وَاَيْمُ الَّذِي نَفْسُ ثُمَامَةَ بِيَدِهِ لَا تَأْتِيكُمْ حَبَّةٌ مِنْ الْيَمَامَةِ وَكَانَتْ رِيفُ مَكَّةَ مَا بَقِيَتْ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَانْصَرَفَ إلَى بَلَدِهِ وَمَنَعَ الْحَمْلَ إلَى مَكَّةَ حَتَّى جَهَدَتْ قُرَيْشٌ، فَكَتَبُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَهُ بِأَرْحَامِهِمْ أَنْ يَكْتُبَ إلَى ثُمَامَةَ يَحْمِلَ إلَيْهِمْ الطَّعَامَ، فَفَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ».وَذَكَرَهُ ابْنُ هِشَامٍ فِي آخَرِ السِّيرَةِ، «وَذَكَرَ أَنَّهُمْ قَالُوا لَهُ صَبَأْت؟ فَقَالَ لَا، وَلَكِنِّي اتَّبَعْت خَيْرَ الدِّينِ دِينِ مُحَمَّدٍ، وَاَللَّهِ لَا تَصِلُ إلَيْكُمْ حَبَّةٌ مِنْ الْيَمَامَةِ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلَى أَنْ قَالَ: فَكَتَبُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّك تَأْمُرُ بِصِلَةِ الرَّحِمِ وَإِنَّك قَدْ قَطَعْت أَرْحَامَنَا، فَكَتَبَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إلَيْهِ أَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْحَمْلِ».وَأَمَّا بَيْعُ الْحَدِيدِ فَمَنَعَهُ الْمُصَنِّفُ (لِأَنَّهُ أَصْلُ السِّلَاحِ) وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، فَإِنَّ الْحَاكِمَ نَصَّ عَلَى تَسْوِيَةِ الْحَدِيدِ وَالسِّلَاحِ.وَذَهَبَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إلَى أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ حَيْثُ قَالَ: وَهَذَا فِي السِّلَاحِ، وَأَمَّا فِيمَا لَا يُقَاتَلُ بِهِ إلَّا بِصَنْعَةٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ كَمَا كَرِهْنَا بَيْعَ الْمَزَامِيرَ وَأَبْطَلْنَا بَيْعَ الْخَمْرَ وَلَمْ نَرَ بِبَيْعِ الْعِنَبِ بَأْسًا وَلَا بِبَيْعِ الْخَشَبِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِهِ: وَلَيْسَ هَذَا كَمَا قَالُوا فِي بَيْعِ الْعَصِيرِ مِمَّنْ يَجْعَلُهُ خَمْرًا؛ لِأَنَّ الْعَصِيرَ لَيْسَ بِآلَةِ الْمَعْصِيَةِ بَلْ يَصِيرُ آلَةً لَهَا بَعْدَ مَا يَصِيرُ خَمْرًا، وَأَمَّا هُنَا فَالسِّلَاحُ آلَةُ الْفِتْنَةِ فِي الْحَالِ، وَيُكْرَهُ بَيْعُهُ مِمَّنْ يُعْرَفُ بِالْفِتْنَةِ، قِيلَ بِإِشَارَةِ هَذَا يُعْلَمُ أَنَّ بَيْعَ الْحَدِيدِ مِنْهُمْ لَا يُكْرَهُ.فُرُوعٌ مِنْ الْمَبْسُوطِ:طَلَبَ مَلِكٌ مِنْهُمْ الذِّمَّةَ عَلَى أَنْ يُتْرَكَ أَنْ يَحْكُمَ فِي أَهْلِ مَمْلَكَتِهِ مَا شَاءَ مِنْ قَتْلٍ وَظُلْمٍ لَا يَصْلُحُ فِي الْإِسْلَامِ لَا يُجَابُ إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّقْرِيرَ عَلَى الظُّلْمِ مَعَ قُدْرَةِ الْمَنْعِ مِنْهُ حَرَامٌ، وَلِأَنَّ الذِّمِّيَّ مَنْ يَلْتَزِمُ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْمُعَامَلَاتِ فَشَرْطُ خِلَافِهِ بَاطِلٌ، وَلَوْ كَانَ لَهُ أَرْضٌ فِيهَا قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ مَمْلَكَتِهِ هُمْ عَبِيدُهُ يَبِيعُ مِنْهُمْ مَا شَاءَ فَصَالَحَ وَصَارَ ذِمَّةً فَهُمْ عَبِيدٌ لَهُ كَمَا كَانُوا يَبِيعُونَهُ إنْ شَاءَ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ خَلَفٌ عَنْ الْإِسْلَامِ فِي الْأَحْرَارِ، وَلَوْ أَسْلَمَ كَانُوا عَبِيدَهُ، فَكَذَا إذَا صَارَ ذِمِّيًّا، وَهَذَا لِأَنَّهُ كَانَ مَالِكًا لَهُمْ بِيَدِهِ الْقَاهِرَةِ وَقَدْ ازْدَادَتْ وَكَادَةً بِعَقْدِ الذِّمَّةِ فَإِنْ ظَفَرَ عَلَيْهِمْ عَدُوٌّ فَاسْتَنْقَذَهُمْ الْمُسْلِمُونَ فَإِنَّهُمْ يَرُدُّونَهُمْ عَلَى هَذَا الْمَلِكِ بِغَيْرِ شَيْءٍ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَبِالْقِيمَةِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ كَسَائِرِ أَمْوَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَهَذَا لِأَنَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْقِيَامَ بِدَفْعِ الظُّلْمِ عَنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ كَمَا عَلَيْهِمْ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ؛ وَكَذَا لَوْ أَسْلَمَ الْمَلِكُ وَأَهْلُ أَرْضِهِ أَوْ أَسْلَمُوا هُمْ دُونَهُ هُمْ عَبِيدُهُ وَلَوْ وَادَعُوا عَلَى أَنْ يُؤَدُّوا كُلَّ سَنَةٍ شَيْئًا مَعْلُومًا وَعَلَى أَنْ لَا يَجْرِيَ عَلَيْهِمْ فِي بِلَادِهِمْ أَحْكَامَ الْمُسْلِمِينَ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لِلْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُمْ بِهَذِهِ الْمُوَادَعَةُ لَا يَلْتَزِمُونَ أَحْكَامَ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يَخْرُجُونَ مِنْ أَنْ يَكُونُوا أَهْلَ حَرْبٍ، وَتَرَكَ الْقِتَالِ مَعَ أَهْلِ الْحَرْبِ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لِلْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ إنْ كَانَ بَعْدَ مَا أَحَاطَ بِهِمْ الْجَيْشُ أَوْ قَبْلَهُ بِرَسُولٍ تَقَدَّمَ حُكْمُ هَذَا الْمَالِ، وَلَوْ صَالَحُوهُمْ عَلَى أَنْ يُؤَدُّوا إلَيْهِمْ فِي كُلِّ سَنَةٍ مِائَةَ رَأْسٍ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ هَذَا الصُّلْحَ وَقَعَ عَلَى جَمَاعَتِهِمْ فَكَانُوا كُلُّهُمْ مُسْتَأْمَنِينَ وَاسْتِرْقَاقُ الْمُسْتَأْمَنِ لَا يَجُوزُ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ وَاحِدًا مِنْهُمْ لَوْ بَاعَ ابْنَهُ بَعْدَ هَذَا الصُّلْحِ لَمْ يَجُزْ فَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ تَمْلِيكُ شَيْءٍ مِنْ نُفُوسِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ بِحُكْمِ تِلْكَ الْمُوَادَعَةِ؛ لِأَنَّ حُرِّيَّتَهُمْ تَأَكَّدَتْ، بِخِلَافِ مَا لَوْ صَالَحُوهُمْ عَلَى مِائَةِ رَأْسٍ بِأَعْيَانِهِمْ أَوَّلَ السُّنَّةِ وَقَالُوا أَمِّنُونَا عَلَى أَنَّ هَؤُلَاءِ لَكُمْ وَنُصَالِحُكُمْ ثَلَاثَ سِنِينَ مُسْتَقْبَلَةً عَلَى أَنْ نُعْطِيَكُمْ كُلَّ سَنَةٍ مِائَةَ رَأْسٍ مِنْ رَقِيقِنَا فَإِنَّهُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْمُعَيَّنِينَ فِي السَّنَةِ الْأُولَى لَا تَتَنَاوَلُهُمْ الْمُوَادَعَةُ وَمِنْهَا يَثْبُتُ الْأَمَانُ لَهُمْ، فَإِذَا جَعَلُوهُمْ مُسْتَثْنًى مِنْ الْمُوَادَعَةِ بِجَعْلِهِمْ إيَّاهُمْ عِوَضًا لِلْمُسْلِمِينَ صَارُوا مَمَالِيكَ الْمُسْلِمِينَ بِالْمُوَادَعَةِ، وَالْمَشْرُوطُ فِي السِّنِينَ الْكَائِنَةِ بَعْدَ الْمُوَادَعَةِ أَرِقَّاءُ فَجَازَ.وَلَوْ سَرَقَ مُسْلِمٌ مَالَهُمْ بَعْدَ الْمُوَادَعَةِ لَا يَحِلُّ شِرَاؤُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ مَالَ الْمُسْتَأْمَنِ لَا يُمْلَكُ بِالسَّرِقَةِ لِأَنَّهُ غَدْرٌ فَلَا يَصِحُّ شِرَاؤُهُ مِنْهُ.وَلَوْ أَغَارَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ عَلَى أَهْلِ الصُّلْحِ جَازَ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُمْ مَا أَخَذُوهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوهَا بِالْإِحْرَازِ كَمَالِ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ لَا يَلْزَمُ رَدُّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَلَا بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُمْ بِالْمُوَادَعَةِ مَا خَرَجُوا عَنْ كَوْنِهِمْ أَهْلَ حَرْبٍ؛ إذْ لَمْ يَنْقَادُوا إلَى حُكْمِ الْإِسْلَامِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْقِيَامُ بِنُصْرَتِهِمْ، وَلَوْ دَخَلَ بَعْضُهُمْ دَارَ حَرْبٍ أُخْرَى فَظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهَا لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ لِأَنَّهُ فِي أَمَانِ الْمُسْلِمِينَ.
الْأَبْيَاتِ وَطَعِيمَةُ بْنُ عَدِيٍّ وَهُوَ أَخُو الْمُطْعِمِ بْنِ عَدِيٍّ.وَأَمَّا مَا قَالَ هُشَيْمٌ إنَّهُ قَتَلَ الْمُطْعِمَ بْنَ عَدِيٍّ فَغَلَطَ بِلَا شَكٍّ وَكَيْفَ وَهُوَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَقول: «لَوْ كَانَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا لَشَفَّعْته فِي هَؤُلَاءِ النَّتْنَى» (وَلِأَنَّ فِي قَتْلِهِمْ حَسْمَ مَادَّةِ الْفَسَادِ) الْكَائِنِ مِنْهُمْ بِالْكُلِّيَّةِ (وَإِنْ شَاءَ اسْتَرَقَّهُمْ لِأَنَّ فِيهِ دَفْعَ شَرِّهِمْ مَعَ وُفُورِ الْمَصْلَحَةِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ) وَلِهَذَا قُلْنَا: لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْ الْغُزَاةِ أَنْ يَقْتُلَ أَسِيرًا بِنَفْسِهِ لِأَنَّ الرَّأْيَ فِيهِ إلَى الْإِمَامِ فَقَدْ يَرَى مَصْلَحَةَ الْمُسْلِمِينَ فِي اسْتِرْقَاقِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْتَاتَ عَلَيْهِ، وَعَلَى هَذَا فَلَوْ قَتَلَ بِلَا مُلْجِئٍ بِأَنْ خَافَ الْقَاتِلُ شَرَّ الْأَسِيرِ كَانَ لَهُ أَنْ يُعَزِّرَهُ إذَا وَقَعَ عَلَى خِلَافِ مَقْصُودِهِ وَلَكِنْ لَا يَضْمَنُ بِقَتْلِهِ شَيْئًا (وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُمْ أَحْرَارَ ذِمَّةٍ لِلْمُسْلِمِينَ لِمَا بَيَّنَّا) مِنْ أَنَّ عُمَرَ فَعَلَ ذَلِكَ فِي أَهْلِ السَّوَادِ.وَقولهُ (إلَّا مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَالْمُرْتَدِّينَ) يَعْنِي إذَا أُسِرُوا فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي الْأُسَارَى، وَيَتَحَقَّقُ الْأَسْرُ فِي الْمُرْتَدِّينَ إذَا غُلِبُوا وَصَارُوا حَرْبًا (عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) فِي بَابِ الْجِزْيَةِ مِنْ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ مِنْهُمْ جِزْيَةٌ وَلَا يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُمْ بَلْ إمَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ (فَإِنْ أَسْلَمَ الْأُسَارَى) بَعْدَ الْأَسْرِ (لَا يَقْتُلُهُمْ) لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ قَتْلِهِمْ دَفْعُ شَرِّهِمْ وَقَدْ انْدَفَعَ بِالْإِسْلَامِ، وَلَكِنْ يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُمْ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ لَا يُنَافِي الرِّقَّ جَزَاءً عَلَى الْكُفْرِ الْأَصْلِيِّ وَقَدْ وُجِدَ بَعْدَ انْعِقَادِ سَبَبِ الْمُلْكِ وَهُوَ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى الْحَرْبِيِّ غَيْرِ الْمُشْتَرَكِ مِنْ الْعَرَبِ (بِخِلَافِ مَا لَوْ أَسْلَمُوا قَبْلَ الْأَخْذِ) لَا يَسْتَرِقُّونَ وَيَكُونُونَ أَحْرَارًا؛ لِأَنَّهُ إسْلَامٌ قَبْلَ انْعِقَادِ سَبَبِ الْمُلْكِ فِيهِمْ.قولهُ: (وَلَا يُفَادِي بِالْأُسَارَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) هَذِهِ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ، وَعَلَيْهَا مَشَى الْقُدُورِيُّ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ.وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُفَادِي بِهِمْ كَقول أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ إلَّا بِالنِّسَاءِ فَإِنَّهُ لَا تَجُوزُ الْمُفَادَاةُ بِهِنَّ عِنْدَهُمْ، وَمَنَعَ أَحْمَدُ الْمُفَادَاةَ بِصِبْيَانِهِمْ، وَرُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَعَلَ ذَلِكَ، وَهَذِهِ رِوَايَةُ السِّيَرِ الْكَبِيرِ.قِيلَ: وَهُوَ أَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ.وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: تَجُوزُ الْمُفَادَاةُ بِالْأُسَارَى قَبْلَ الْقِسْمَةِ لَا بَعْدَهَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَجُوزُ بِكُلِّ حَالٍ.وَجْهُ مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ (أَنَّ فِيهِ مَعُونَةَ الْكَفَرَةِ لِأَنَّهُ يَعُودُ حَرْبًا عَلَيْنَا، وَدَفْعُ شَرِّ حِرَابَتِهِ خَيْرٌ مِنْ اسْتِنْقَاذِ الْأَسِيرِ الْمُسْلِمِ، لِأَنَّهُ إذَا بَقِيَ فِي أَيْدِيهِمْ كَانَ ابْتِلَاءً فِي حَقِّهِ فَقَطْ) وَالضَّرَرُ بِدَفْعِ أَسِرْهُمْ إلَيْهِمْ يَعُودُ عَلَى جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ.وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْمُوَافَقَةِ لِقول الْعَامَّةِ إنَّ تَخْلِيصَ الْمُسْلِمِ أَوْلَى مِنْ قَتْلِ الْكَافِرِ وَالِانْتِفَاعِ بِهِ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ عَظِيمَةٌ، وَمَا ذَكَرَ مِنْ الضَّرَرِ الَّذِي يَعُودُ إلَيْنَا بِدَفْعِهِ إلَيْهِمْ يَدْفَعُهُ ظَاهِرًا الْمُسْلِمُ الَّذِي يَتَلَخَّصُ مِنْهُمْ لِأَنَّهُ ضَرَرُ شَخْصٍ وَاحِدٍ فَيَقُومُ بِدَفْعِهِ وَاحِدٌ مِثْلُهُ ظَاهِرًا فَيَتَكَافَآنِ، ثُمَّ يَبْقَى فَضِيلَةُ تَخْلِيصِ الْمُسْلِمِ وَتَمْكِينِهِ مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ كَمَا يَنْبَغِي زِيَادَةُ تَرْجِيحٍ، ثُمَّ إنَّهُ قَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَى رَجُلَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِرَجُلٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ» وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ إيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ عَنْ أَبِيه: «خَرَجْنَا مَعَ أَبِي بَكْرٍ أَمَّرَهُ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أَنْ قَالَ: فَلَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السُّوقِ فَقَالَ لِي: يَا سَلَمَةُ هَبْ لِي الْمَرْأَةَ لِلَّهِ أَبُوكَ: أَعْنِي الَّتِي كَانَ أَبُو بَكْرٍ نَفَّلَهُ إيَّاهَا، فَقُلْت: هِيَ لَك يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاَللَّهِ مَا كَشَفْت لَهَا ثَوْبًا، فَبَعَثَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفَدَى بِهَا نَاسًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا أُسِرُوا بِمَكَّةَ» إلَّا أَنَّ هَذَا يُخَالِفُ رَأْيَهُمْ فَإِنَّهُمْ لَا يُفَادُونَ بِالنِّسَاءِ وَيَبْقَى الْأَوَّلُ.قولهُ: (أَمَّا الْمُفَادَاةُ بِمَالٍ يَأْخُذُهُ مِنْهُمْ لَا يَجُوزُ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ لِمَا بَيَّنَّا) فِي الْمُفَادَاةِ بِالْمُسْلِمِينَ مِنْ رَدِّهِ حَرْبًا عَلَيْنَا (وَفِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ حَاجَةٌ اسْتِدْلَالًا بِأُسَارَى بَدْرٍ) إذْ لَا شَكَّ فِي احْتِيَاجِ الْمُسْلِمِينَ بَلْ فِي شِدَّةِ حَاجَتِهِمْ إذَا ذَاكَ، فَلْيَكُنْ مَحْمَلُ الْمُفَادَاةِ الْكَائِنَةِ فِي بَدْرٍ بِالْمَالِ.وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي شَأْنِ تِلْكَ الْمُفَادَاةِ مِنْ الْعَتَبِ بِقولهِ تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} أَيْ يَقْتُلَ أَعْدَاءَ اللَّهِ مِنْ الْأَرْضِ فَيَنْفِيَهُمْ عَنْهَا {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاَللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} قوله تعالى: {لَوْلَا كِتَابٌ مِنْ اللَّهِ سَبَقَ} وَهُوَ أَنْ لَا يُعَذِّبَ أَحَدًا قَبْلَ النَّهْيِ، وَلَمْ يَكُنْ نَهَاهُمْ {لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ} مِنْ الْغَنَائِمِ وَالْأُسَارَى {عَذَابٌ عَظِيمٌ} ثُمَّ أَحَلَّهَا لَهُ وَلَهُمْ رَحْمَةً مِنْهُ تَعَالَى فَقَال: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا} هِيَ لِلْمَجْمُوعِ مِنْ الْفِدَاءِ وَغَيْرِهِ وَقِيلَ لِلْغَنِيمَةِ.فَإِنْ قِيلَ: لَا شَكَّ أَنَّهُ مِنْ الْغَنِيمَةِ.قُلْنَا: لَوْ سَلَّمَ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَجِبُ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَضُرَّ بِالْمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ، وَفِي رَدِّهِ تَكْثِيرُ الْمُحَارَبِينَ لِغَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ.وَفِي الْكَشَّافِ وَغَيْرِهِ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ أَشَارَ بِقَتْلِهِمْ.وَأَبُو بَكْرٍ بِأَخْذِ الْفِدَاءِ تَقَوِّيًا وَرَجَاءَ أَنْ يُسْلِمُوا.وَرُوِيَ «أَنَّهُمْ لَمَّا أَخَذُوا الْفِدَاءَ نَزَلَتْ الْآيَةُ، فَدَخَلَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَإِذَا هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ يَبْكِيَانِ، فَسَأَلَهُ فَقَالَ: أَبْكِي عَلَى أَصْحَابِك فِي أَخْذِهِمْ الْفِدَاءَ، لَقَدْ عُرِضَ عَلَيَّ عَذَابُهُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ» قَالَ: وَرُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَال: «لَوْ نَزَلَ مِنْ السَّمَاءِ عَذَابٌ مَا نَجَا مِنْهُ إلَّا عُمَرُ وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ» لِقولهِ كَانَ الْإِثْخَانُ فِي الْقَتْلِ أَحَبَّ إلَيَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ.قولهُ: (وَلَوْ أَسْلَمَ الْأَسِيرُ وَهُوَ فِي أَيْدِينَا لَا يُفَادَى بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ إلَّا إذَا طَابَتْ نَفْسُهُ وَهُوَ مَأْمُونٌ عَلَى إسْلَامِهِ) فَيَجُوزُ لِأَنَّهُ يُفِيدُ تَخْلِيصَ مُسْلِمٍ مِنْ غَيْرِ إضْرَارٍ لِمُسْلِمٍ آخَرَ.قولهُ: (وَلَا يَجُوزُ الْمَنُّ عَلَى الْأُسَارَى) وَهُوَ أَنْ يُطْلِقَهُمْ إلَى دَارِ الْحَرْبِ بِغَيْرِ شَيْءٍ (خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) إذَا رَأَى الْإِمَامُ ذَلِكَ، وَبِقولنَا قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ.وَجْهُ قول الشَّافِعِيِّ قوله تعالى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} وَلِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَنَّ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ أَسْرَى بَدْرٍ مِنْهُمْ أَبُو الْعَاصِ بْنُ أَبِي الرَّبِيعِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ بِسَنَدِهِ وَأَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيقِهِ إلَى عَائِشَةَ «لَمَّا بَعَثَ أَهْلُ مَكَّةَ فِي فِدَاءِ أَسْرَاهُمْ، بَعَثْت زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي فِدَاءِ أَبِي الْعَاصِ بِمَالٍ وَبَعَثَتْ فِيهِ بِقِلَادَةٍ كَانَتْ خَدِيجَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَدْخَلَتْهَا بِهَا عَلَى أَبِي الْعَاصِ حِينَ بَنَى بِهَا، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ رَقَّ لَهَا رِقَّةً شَدِيدَةً وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: إنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَهَا أَسِيرَهَا وَتَرُدُّوا عَلَيْهَا الَّذِي لَهَا فَافْعَلُوا، فَفَعَلُوا» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَزَادَ «وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَخَذَ عَلَيْهِ أَنْ يُخَلِّيَ زَيْنَبَ إلَيْهِ فَفَعَلَ» وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّ مِمَّنْ مَنَّ عَلَيْهِ الْمُطَّلِبُ بْنُ حَنْطَبٍ أَسَرَهُ أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ فَخَلَّى سَبِيلَهُ.وَأَبُو عَزَّةَ الْجُمَحِيُّ كَانَ مُحْتَاجًا ذَا بَنَاتٍ فَكَلَّمَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنَّ عَلَيْهِ وَأَخَذَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُظَاهِرَ عَلَيْهِ أَحَدًا، وَامْتَدَحَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَبْيَاتٍ ثُمَّ قَدِمَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ فِي أُحُدٍ فَأُسِرَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقِلْنِي، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَا تَمْسَحْ عَارِضَيْك بِمَكَّةَ بَعْدَهَا، تَقول خَدَعْت مُحَمَّدًا مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ أَمَرَ بِضَرْبِ عُنُقِهِ» وَيَكْفِي مَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ قولهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي أُسَارَى بَدْرٍ «لَوْ كَانَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هَؤُلَاءِ النَّتْنَى لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ» وَالْعَجَبُ مِنْ قول شَارِحٍ بِهَذَا لَا يَثْبُتُ الْمَنُّ؛ لِأَنَّ لَوْ لِامْتِنَاعِ الشَّيْءِ لِامْتِنَاعِ غَيْرِهِ: يَعْنِي فَيُفِيدُ امْتِنَاعَ الْمَنِّ.وَلَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى بَصَرٍ بِالْكَلَامِ أَنَّ التَّرْكِيبَ إخْبَارٌ بِأَنَّهُ لَوْ كَلَّمَهُ لَتَرَكَهُمْ وَصِدْقُهُ وَاجِبٌ وَهُوَ بِأَنْ يَكُونَ الْمَنُّ جَائِزًا فَقَدْ أَخْبَرَ بِأَنَّهُ يُطْلِقُهُمْ لَوْ سَأَلَهُ إيَّاهُمْ، وَالْإِطْلَاقُ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ لَا يَثْبُتُ مِنْهُ إلَّا وَهُوَ جَائِزٌ شَرْعًا، وَكَوْنُهُ لَمْ يَقَعْ لِعَدَمِ وُقُوعِ مَا عُلِّقَ عَلَيْهِ، لَا يَنْفِي جَوَازَهُ شَرْعًا وَهُوَ الْمَطْلُوبُ.وَأَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِقولهِ تعالى: {اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} مِنْ سُورَةِ بَرَاءَةَ فَإِنَّهَا تَقْتَضِي عَدَمَ جَوَازِ الْمَنِّ وَهِيَ آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ فِي هَذَا الشَّأْنِ، وَقِصَّةُ بَدْرٍ كَانَتْ سَابِقَةً عَلَيْهَا.وَقَدْ يُقَالُ إنَّ ذَلِكَ فِي حَقِّ غَيْرِ الْأُسَارَى بِدَلِيلِ جَوَازِ الِاسْتِرْقَاقِ، فِيهِ يُعْلَمُ أَنَّ الْقَتْلَ الْمَأْمُورَ حَتْمًا فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ.متن الهداية:(وَإِذَا أَرَادَ الْإِمَامُ الْعَوْدَ وَمَعَهُ مَوَاشٍ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى نَقْلِهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ ذَبَحَهَا وَحَرَقَهَا وَلَا يَعْقِرُهَا وَلَا يَتْرُكْهَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَتْرُكُهَا؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام: «نَهَى عَنْ ذَبْحِ الشَّاةِ إلَّا لِمَأْكَلَةٍ».وَلَنَا أَنَّ ذَبْحَ الْحَيَوَانِ يَجُوزُ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ، وَلَا غَرَضَ أَصَحُّ مِنْ كَسْرِ شَوْكَةِ الْأَعْدَاءِ، ثُمَّ يُحْرَقُ بِالنَّارِ لِيَنْقَطِعَ مَنْفَعَتُهُ عَنْ الْكُفَّارِ وَصَارَ كَتَخْرِيبِ الْبُنْيَانِ بِخِلَافِ التَّحْرِيقِ قَبْلَ الذَّبْحِ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَبِخِلَافِ الْعَقْرِ لِأَنَّهُ مُثْلَةٌ، وَتُحْرَقُ الْأَسْلِحَةُ أَيْضًا، وَمَا لَا يَحْتَرِقُ مِنْهَا يُدْفَنُ فِي مَوْضِعٍ لَا يَقِفُ عَلَيْهِ الْكُفَّارُ إبْطَالًا لِلْمَنْفَعَةِ عَلَيْهِمْ.الشَّرْحُ:قولهُ: (وَإِذَا أَرَادَ الْإِمَامُ الْعَوْدَ وَمَعَهُ مَوَاشٍ) أَيْ مِنْ مَوَاشِي أَهْلِ الْحَرْبِ (فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى نَقْلِهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ ذَبَحَهَا ثُمَّ أَحْرَقَهَا وَلَا يَعْقِرُهَا) كَمَا نُقِلَ عَنْ مَالِكٍ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُثْلَةِ بِالْحَيَوَانِ، وَعَقَرَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَرَسَهُ رُبَّمَا كَانَ لِظَنِّهِ عَدَمَ الْفَتْحِ فِي تِلْكَ الْوَقْعَةِ فَخَشَى أَنْ يَنَالَ الْمُشْرِكُونَ فَرَسَهُ، وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الذَّبْحِ لِضِيقِ الْحَالِ عَنْهُ بِالشُّغْلِ بِالْقِتَالِ أَوْ كَانَ قَبْلَ نَسْخِ الْمُثْلَةِ أَوْ عِلْمِهِ بِهَا (وَلَا يَتْرُكُهَا) لَهُمْ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ) وَأَحْمَدُ (يَتْرُكُهَا؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام: «نَهَى عَنْ ذَبْحِ الشَّاةِ إلَّا لِمَأْكَلَةٍ») قُلْنَا: هَذَا غَرِيبٌ لَمْ يُعْرَفْ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَعَمْ رُوِيَ مِنْ قول أَبِي بَكْرٍ نَفْسِهِ، رَوَاهُ مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعَثَ جُيُوشًا إلَى الشَّامِ، فَخَرَجَ يَتْبَعُ يَزِيدَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ فَقَالَ: إنِّي أُوصِيَك بِعَشْرٍ: لَا تَقْتُلُنَّ صَبِيًّا وَلَا امْرَأَةً وَلَا كَبِيرًا هَرِمًا، وَلَا تَقْطَعَنَّ شَجَرًا مُثْمِرًا، وَلَا تَعْقِرَنَّ شَاةً وَلَا بَقَرَةً إلَّا لِمَأْكَلَةٍ، وَلَا تُخْرِبَنَّ عَامِرًا، وَلَا تُحَرِّقَنَّ، وَلَا تُغْرِقَنَّ، وَلَا تَجْبُنْ، وَلَا تَغْلُلْ.ثُمَّ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا آنَسَ الْفَتْحُ وَصَيْرُورَةُ الْبِلَادِ دَارَ إسْلَامٍ وَكَانَ ذَلِكَ هُوَ الْمُسْتَمِرَّ فِي بُعُوثِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فَبِاعْتِبَارِهِ كَانَ ذَلِكَ وَقَدْ قُلْنَا بِذَلِكَ.وَذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا كَانَ ذَلِكَ فَلَا تُحْرِقْ وَلَا تُخْرِبْ لِأَنَّهُ إتْلَافُ مَالِ الْمُسْلِمِينَ؛ أَلَا تَرَى إلَى قولهِ لَا تُحَرِّقَنَّ وَهُوَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدْ عَلِمَ قولهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام: «أَغِرْ عَلَى أُبْنَى صَبَاحًا ثُمَّ حَرِّقْ» بَقِيَ مُجَرَّدُ ذَبْحِ الْحَيَوَانِ وَأَنَّهُ لِغَرَضِ الْأَكْلِ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ غَرَضٌ صَحِيحٌ (وَلَا غَرَضَ أَصَحُّ مِنْ كَسْرِ شَوْكَتِهِمْ) وَتَعْرِيضِهِمْ عَلَى الْهَلَكَةِ وَالْمَوْتِ وَإِنَّمَا يَحْرِقُ (لِيَنْقَطِعَ مَنْفَعَتُهُ عَنْ الْكُفَّارِ وَصَارَ كَتَخْرِيبِ الْبُنْيَانِ) وَالتَّحْرِيقُ لِهَذَا الْغَرَضِ الْكَرِيمِ (بِخِلَافِ التَّحْرِيقِ قَبْلَ الذَّبْحِ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ) وَفِيهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَال: «بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْثٍ فَقَالَ لَنَا: إنْ وَجَدْتُمْ فُلَانًا وَفُلَانًا فَأَحْرَقُوهُمَا بِالنَّارِ، فَلَمَّا خَرَجْنَا دَعَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إنْ وَجَدْتُمْ فُلَانًا وَفُلَانًا فَاقْتُلُوهُمَا وَلَا تُحَرِّقُوهُمَا فَإِنَّهُ لَا يُعَذِّبُ بِهَا إلَّا اللَّهُ» وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ وَسَمَّاهُمَا هَبَّارُ بْنُ الْأَسْوَدِ وَنَافِعُ بْنُ عَبْدِ الْقَيْسِ، وَطَوَّلَهُ الْبَيْهَقِيُّ.وَذَكَرَ السَّبَبَ أَنَّهُمَا كَانَا رَوَّعَا زَيْنَبَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ خَرَجَتْ لَاحِقَةً بِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حَتَّى أَلْقَتْ مَا فِي بَطْنِهَا.وَالْقَضِيَّةُ مُفَصَّلَةٌ عِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ مَعْرُوفَةٌ لِأَهْلِ السِّيَرِ.وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا تَحْرِيقَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الزَّنَادِقَةَ الَّذِينَ أَتَى بِهِمْ فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: لَوْ كُنْت أَنَا لَمْ أَحْرِقْهُمْ لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «لَا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ» وَلَقَتَلْتُهُمْ لِقولهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حَيَّانِ قَالَ: كُنْت عِنْدَ أُمِّ الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَأَخَذْتُ بُرْغُوثًا فَأَلْقَيْته فِي النَّارِ، فَقَالَتْ: سَمِعْت أَبَا الدَّرْدَاءِ يَقول: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «لَا يُعَذِّبُ بِالنَّارِ إلَّا رَبُّ النَّارِ» هَذَا (وَتُحْرَقُ الْأَسْلِحَةُ أَيْضًا، وَمَا لَا يَحْتَرِقُ مِنْهَا كَالْحَدِيدِ يُدْفَنُ فِي مَوْضِعٍ لَا يَقِفُ عَلَيْهِ الْكُفَّارُ إبْطَالًا لِلْمَنْفَعَةِ عَلَيْهِمْ) وَمَا فِي فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ: تُتْرَكُ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ فِي أَرْضٍ غَامِرَةٍ: أَيْ خَرِبَةٍ حَتَّى يَمُوتُوا جُوعًا كَيْ لَا يَعُودُوا حَرْبًا عَلَيْنَا؛ لِأَنَّ النِّسَاءَ بِهِنَّ النَّسْلُ وَالصِّبْيَانُ يَبْلُغُونَ فَيَصِيرُونَ حَرْبًا عَلَيْنَا فَبَعِيدٌ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ بِمَا هُوَ أَشَدُّ مِنْ الْقَتْلِ الَّذِي نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعْذِيبِ، ثُمَّ هُمْ قَدْ صَارُوا أُسَارَى بَعْدَ الِاسْتِيلَاءِ.وَقَدْ أَوْصَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْأَسْرَى خَيْرًا.حَدَّثَ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ نَبِيهِ بْنِ وَهْبٍ أَخِي بَنِي عَبْدِ الدَّارِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَقْبَلَ بِالْأُسَارَى فَرَّقَهُمْ بَيْنَ أَصْحَابِهِ وَقَالَ: اسْتَوْصُوا بِالْأُسَارَى خَيْرًا، فَقَالَ أَبُو عَزِيزٍ: مَرَّ بِي أَخِي مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَرَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ يَأْسِرُنِي فَقَالَ لَهُ شُدَّ يَدَيْكَ بِهِ فَإِنَّ أُمَّهُ ذَاتُ مَتَاعٍ، قَالَ: وَكُنْت فِي رَهْطٍ مِنْ الْأَنْصَارِ حِينَ أَقْبَلُوا بِي مِنْ بَدْرٍ فَكَانُوا إذَا قَدَّمُوا غَدَاءَهُمْ وَعِشَاءَهُمْ خَصُّونِي بِالْخُبْزِ وَأَكَلُوا التَّمْرَ لِوَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إيَّاهُمْ بِنَا، مَا يَقَعُ فِي يَدِ رَجُلٍ مِنْهُمْ كِسْرَةٌ مِنْ الْخُبْزِ إلَّا نَفَحَنِي بِهَا، قَالَ: فَأَسْتَحْيِي فَأَرُدُّهَا عَلَى أَحَدِهِمْ فَيَرُدُّهَا عَلَيَّ مَا يَمَسُّهَا» فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَقْتُلُوا جُوعًا، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَضْطَرُّوا إلَى ذَلِكَ بِسَبَبِ عَدَمِ الْحَمْلِ وَالْمِيرَةِ فَيَتْرُكُوا ضَرُورَةً، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.متن الهداية:(وَلَا يُقَسِّمُ غَنِيمَةً فِي دَارِ الْحَرْبِ حَتَّى يُخْرِجَهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ.وَأَصْلُهُ أَنَّ الْمِلْكَ لِلْغَانِمِينَ لَا يَثْبُتُ قَبْلَ الْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَهُ يَثْبُتُ وَيَبْتَنِي عَلَى هَذَا الْأَصْلِ عِدَّةٌ مِنْ الْمَسَائِلِ ذَكَرْنَاهَا فِي الْكِفَايَةِ.لَهُ أَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ الِاسْتِيلَاءُ إذَا وَرَدَ عَلَى مَالٍ مُبَاحٍ فِي الصَّيُودِ، وَلَا مَعْنَى لِلِاسْتِيلَاءِ سِوَى إثْبَاتِ الْيَدِ وَقَدْ تَحَقَّقَ.وَلَنَا أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام: «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَنِيمَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ»، وَالْخِلَافُ ثَابِتٌ فِيهِ، وَالْقِسْمَةُ بَيْعٌ مَعْنًى فَتَدْخُلُ تَحْتَهُ، وَلِأَنَّ الِاسْتِيلَاءَ إثْبَاتُ الْيَدِ الْحَافِظَةِ وَالنَّاقِلَةِ وَالثَّانِي مُنْعَدِمٌ لِقُدْرَتِهِمْ عَلَى الِاسْتِنْقَاذِ وَوُجُودِهِ ظَاهِرًا.ثُمَّ قِيلَ: مَوْضِعُ الْخِلَافِ تَرَتُّبُ الْأَحْكَامِ عَلَى الْقِسْمَةِ إذَا قَسَّمَ الْإِمَامُ لَا عَنْ اجْتِهَادٍ، لِأَنَّ حُكْمَ الْمِلْكِ لَا يَثْبُتُ بِدُونِهِ.وَقِيلَ الْكَرَاهَةُ، وَهِيَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ قَالَ عَلَى قول أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لَا تَجُوزُ الْقِسْمَةُ فِي دَارِ الْحَرْبِ.وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْأَفْضَلُ أَنْ يُقَسِّمَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ.وَوَجْهُ الْكَرَاهَةِ أَنَّ دَلِيلَ الْبُطْلَانِ رَاجِحٌ، إلَّا أَنَّهُ تَقَاعَدَ عَنْ سَلَبِ الْجَوَازِ فَلَا يَتَقَاعَدُ عَنْ إيرَاثِ الْكَرَاهَةِ.الشَّرْحُ:قولهُ: (وَلَا تُقَسَّمُ غَنِيمَةٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ حَتَّى تَخْرُجَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ) إذَا انْهَزَمَ الْكُفَّارُ.وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ: الْأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يُقَسِّمَهَا حَتَّى يُحْرِزَهَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ.وَعَنْهُ إنْ لَمْ تَكُنْ مَعَ الْإِمَامِ حَمُولَةٌ يَحْمِلُهَا عَلَيْهَا يُقَسِّمُهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ.(وَأَصْلُهُ أَنَّ الْمِلْكَ لِلْغَانِمِينَ لَا يَثْبُتُ قَبْلَ الْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَهُ يَثْبُتُ) بِالْهَزِيمَةِ وَيَلْزَمُهُ أَنَّ قِسْمَةَ الْإِمَامِ هُنَاكَ لَا تُفِيدُ مِلْكًا إلَّا إذَا كَانَ عَنْ اجْتِهَادٍ فَإِنَّهُ أَمْضَى الْقَضَاءَ فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ أَوْ كَانَ لِحَاجَةٍ فَإِنَّ الْحَاجَةَ مَوْضِعُهَا مُسْتَثْنًى.وَاعْلَمْ أَنَّ حَقِيقَةَ مَذْهَبِهِ أَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ لِلْغَانِمِ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: إمَّا بِالْقِسْمَةِ حَيْثُمَا كَانَتْ، أَوْ بِاخْتِيَارِ الْغَانِمِ التَّمَلُّكَ، وَلَيْسَ هُوَ قَائِلًا إنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ لِلْغَانِمِينَ بِالْهَزِيمَةِ كَمَا نَقَلُوا عَنْهُ.وَعِنْدَنَا لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْقَسْمِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، فَلَا يَثْبُتُ بِالْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ مِلْكٌ لِأَحَدٍ بَلْ يَتَأَكَّدُ الْحَقَّ، لِهَذَا لَوْ أَعْتَقَ وَاحِدٌ مِنْ الْغَانِمِينَ عَبْدًا بَعْدَ الْإِحْرَازِ لَا يَعْتِقُ، وَلَوْ كَانَ هُنَاكَ مِلْكٌ مُشْتَرَكٌ عَتَقَ بِعِتْقِ الشَّرِيكِ وَيَجْرِي فِيهِ مَا عُرِفَ فِي عِتْقِ الشَّرِيكِ، وَتَخْرُجُ الْفُرُوعُ الْمُخْتَلِفَةُ عَلَى هَذَا: مِنْهَا لَوْ وَطِئَ بَعْضُ الْغَانِمِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَاحِدَةً مِنْ السَّبْيِ فَوَلَدَتْ فَادَّعَاهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ عِنْدَهُ لَا لِوَطْئِهِ جَارِيَةً مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ بِمُجَرَّدِ الْهَزِيمَةِ بَلْ لِاخْتِيَارِهِ التَّمَلُّكَ فَبِالْهَزِيمَةِ ثَبَتَ لِكُلٍّ حَقُّ الْمِلْكِ، فَإِنْ سَلَّمْت بِمَا يَخُصُّهُ مِنْ الْغَنِيمَةِ أَخَذَهَا، وَإِلَّا أَخَذَهَا وَكَمَّلَ مِنْ مَالِهِ قِيمَتَهَا يَوْمَ الْحَمْلِ.وَعِنْدَنَا لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَعَلَيْهِ الْعُقْرُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْدُثُ لِثُبُوتِ سَبَبِ الْمِلْكِ وَتُقْسَمُ الْجَارِيَةُ وَالْوَلَدُ وَالْعُقْرُ بَيْنَ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَكَذَا لَوْ اسْتَوْلَدَهَا بَعْدَ الْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ عِنْدَنَا، وَإِنْ تَأَكَّدَ الْحَقَّ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ يُوجِبُ حَقَّ الْعِتْقِ وَهُوَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ قِيَامِ الْمِلْكِ فِي الْمَحَلِّ، بِخِلَافِ اسْتِيلَادِ جَارِيَةِ الِابْنِ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ التَّمَلُّكِ فَيَتَمَلَّكُهَا بِنَاءً عَلَى الِاسْتِيلَادِ، وَلَيْسَ لَهُ هُنَا تَمَلُّكُ الْجَارِيَةِ بِدُونِ رَأْيِ الْإِمَامِ.نَعَمْ لَوْ قُسِمَتْ الْغَنِيمَةُ عَلَى الرَّايَاتِ أَوْ الْعَرَّافَةِ فَوَقَعَتْ جَارِيَةٌ بَيْنَ أَهْلِ رَايَةٍ صَحَّ اسْتِيلَادُ أَحَدِهِمْ لَهَا لِأَنَّهُ يَصِحُّ عِتْقُهُ لَهَا لِأَنَّهَا مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِ تِلْكَ الرَّايَةِ، وَالْعَرَّافَةُ شَرِكَةُ مِلْكٍ، وَعِتْقُ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ نَافِذٌ، لَكِنَّ هَذَا إذَا قَلُّوا حَتَّى تَكُونَ الشَّرِكَةُ خَاصَّةً، أَمَّا إذَا كَثُرُوا فَلَا؛ لِأَنَّ بِالشَّرِكَةِ الْعَامَّةِ لَا تَثْبُتُ وِلَايَةُ الْإِعْتَاقِ.قَالَ: وَالْقَلِيلُ إذَا كَانُوا مِائَةً أَوْ أَقَلَّ، وَقِيلَ أَرْبَعُونَ، وَفِيهِ أَقْوَالٌ أُخْرَى، قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُوَقِّت وَيُجْعَلَ مَوْكُولًا إلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ.وَمِنْهَا جَوَازُ الْبَيْعِ مِنْ الْإِمَامِ لِبَعْضِ الْغَنِيمَةِ يَجُوزُ عِنْدَهُمْ لَا عِنْدَنَا مَبْنِيٌّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا.وَمِنْهَا لَوْ مَاتَ بَعْضُ الْغُزَاةِ أَوْ قُتِلَ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يُوَرَّثُ سَهْمُهُ عِنْدَنَا وَيُوَرَّثُ عِنْدَهُ بِنَاءً عَلَى التَّأَكُّدِ بِالْهَزِيمَةِ حَتَّى صَحَّ مِنْهُ التَّمَلُّكُ وَالتَّأَكُّدُ يَكْفِي لِلْإِرْثِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّا نَقول إنَّهُ يُوَرَّثُ إذَا مَاتَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ الْقِسْمِ لِلتَّأَكُّدِ لَا لِلْمِلْكِ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْحَقَّ الْمُؤَكَّدَ يُوَرَّثُ كَحَقِّ الرَّهْنِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ، بِخِلَافِ الضَّعِيفِ كَالشُّفْعَةِ وَخِيَارِ الشَّرْطِ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى ضَعْفِ الْحَقِّ قَبْلَ الْإِحْرَازِ بِإِبَاحَةِ تَنَاوُلِ الطَّعَامِ فِي دَارِ الْحَرْبِ بِلَا ضَرُورَةٍ وَبِعَدَمِ ضَمَانِ مَا أُتْلِفَ مِنْ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ الْإِحْرَازِ، بِخِلَافِ مَا بَعْدَهُ فَكَانَ حَقًّا ضَعِيفًا كَحَقِّ كُلِّ مُسْلِمٍ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَالشَّافِعِيَّةُ إنْ مَنَعُوا الثَّانِيَ لَمْ يَمْنَعُوا الْأَوَّلَ.وَمِنْهَا لَوْ لَحِقَ الْمَدَدُ فِي دَارِ الْحَرْبِ قَبْلَ الْقَسْمِ شَارَكَ عِنْدَنَا لَا عِنْدَهُ لِلتَّأَكُّدِ وَعَدَمِهِ فَإِنَّمَا الثَّابِتُ لِلْغُزَاةِ بَعْدَ الْهَزِيمَةِ حَقُّ الْمِلْكِ لَا حَقُّ التَّمَلُّكِ، وَلِهَذَا لَوْ أَسْلَمَ الْأَسِيرُ قَبْلَ الْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ لَا يَعْتِقُ، وَكَذَا أَرْبَابُ الْأَمْوَالِ إذَا أَسْلَمُوا بَعْدَ أَخْذِهَا قَبْلَ الْإِحْرَازِ لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْ جُمْلَةِ الْغُزَاةِ فِي الْقِسْمَةِ وَالِاسْتِحْقَاقِ بِسَبَبِ الشَّرِكَةِ فِي الْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ بِمَنْزِلَةِ الْمَدَدِ.ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ، وَمَعْنَاهُ: إذَا لَمْ يُؤْخَذُوا فَإِنَّ إسْلَامَهُمْ بَعْدَ الْأَخْذِ لَا يُزِيلُ عَنْهُمْ الرِّقَّ فَلَا يَسْتَحِقُّونَ فِي الْغَنِيمَةِ كَالْمَدَدِ.وَفِي التُّحْفَةِ: لَوْ أَتْلَفَ وَاحِدٌ مِنْ الْغُزَاةِ شَيْئًا مِنْ الْغَنِيمَةِ لَا يَضْمَنُ عِنْدَنَا، قَالَ: وَبَعْدَ الْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ يَتَأَكَّدُ حَقُّ الْمِلْكِ وَيَسْتَقِرُّ، وَلِهَذَا قَالُوا لَوْ مَاتَ وَاحِدٌ مِنْ الْغُزَاةِ يُورَثُ نَصِيبُهُ، وَلَوْ بَاعَ الْإِمَامُ جَازَ، وَلَوْ لَحِقَهُمْ الْمَدَدُ لَا يُشَارِكُونَ وَيَضْمَنُ الْمُتْلَفَ، وَهَذَا الْمَذْكُورُ فِي التُّحْفَةِ مَاشٍ مَعَ مَا فِي الْمَبْسُوطِ حَيْثُ قَالَ: فَأَمَّا عِنْدَنَا فَالْحَقُّ يَثْبُتُ بِنَفْسِ الْأَخْذِ وَيَتَأَكَّدُ بِالْإِحْرَازِ وَيَمْلِكُ بِالْقِسْمَةِ كَحَقِّ الشُّفْعَةِ يَثْبُتُ بِالْبَيْعِ وَيَتَأَكَّدُ بِالطَّلَبِ وَيَتِمُّ الْمِلْكُ بِالْأَخْذِ، وَمَا دَامَ الْحَقُّ ضَعِيفًا لَا تَجُوزُ الْقِسْمَةُ لِأَنَّهُ دُونَ الْمِلْكِ الضَّعِيفِ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ.وَوَجَّهَ الْمُصَنِّفُ قول الشَّافِعِيِّ بِأَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ يَتِمُّ بِالْهَزِيمَةِ؛ لِأَنَّ بِهَا يَتَحَقَّقُ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى مَالٍ مُبَاحٍ فَيَمْلِكُهُ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَيْسَ مَعْنَى الِاسْتِيلَاءِ عَلَى مَالٍ مُبَاحٍ إلَّا سَبْقَ الْيَدِ إلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الْقَهْرِ وَالِاسْتِيلَاءِ كَمَا فِي الصَّيْدِ وَالْحَطَبِ، وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ وَبَنِي الْمُصْطَلِقِ وَأَوْطَاسَ فِي دِيَارِهِمْ».وَلَنَا مَنْعُ أَنَّ السَّبَبَ تَمَّ فَإِنَّ تَمَامَهُ بِثُبُوتِ الْيَدِ النَّاقِلَةِ، أَيْ قُدْرَةِ النَّقْلِ وَالتَّصَرُّفِ كَيْفَ شَاءَ نَقْلًا وَادِّخَارًا وَهَذَا مُنْتَفٍ عَنْهُ مَا دَامَ فِي دَارِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّ الظُّهُورَ عَلَيْهِمْ وَالِاسْتِنْقَاذَ مِنْهُمْ لَيْسَ بِبَعِيدٍ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الدَّارَ مُضَافَةٌ إلَيْهِمْ فَدَلَّ أَنَّهُ مَقْهُورٌ مَا دَامَ فِيهَا نَوْعًا مِنْ الْقَهْرِ بِدَلِيلِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَتْرُكَهَا دَارَ حَرْبٍ وَيَنْصَرِفَ عَنْهَا فَكَانَ قَاهِرًا مِنْ وَجْهٍ مَقْهُورًا مِنْ وَجْهٍ، فَكَانَ اسْتِيلَاءً مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَلَمْ يَتِمَّ سَبَبُ مِلْكِ الْمُبَاحِ فَلَمْ يَمْلِكْ فَلَمْ تَصِحَّ الْقِسْمَةُ؛ لِأَنَّهَا بَيْعُ مَعْنًى، فَإِنَّ الْبَيْعَ مُبَادَلَةٌ وَفِي الْقِسْمَةِ ذَلِكَ، فَإِنَّ كُلَّ شَرِيكٍ لَمَّا اجْتَمَعَ نَصِيبُهُ فِي الْعَيْنِ كَانَ ذَلِكَ عِوَضًا عَنْ نَصِيبِهِ فِي الْبَاقِي، بِخِلَافِ مَا إذَا خَرَجَ الْعَبْدُ مُرَاغَمًا حَيْثُ يَعْتِقُ بِوُصُولِهِ إلَى عَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ.وَكَذَا الْمَرْأَةُ الْمُرَاغَمَةُ تَبِينُ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ بِالنَّصِّ لِقولهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام: «فِي عَبِيدِ الطَّائِفِ هُمْ عُتَقَاءُ اللَّهِ» وَلِأَنَّ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ وَيَكْفِي فِيهِ امْتِنَاعُهُ ظَاهِرًا فِي الْحَالِ، وَقَالَ اللَّهُ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ} إلَى قوله: {فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إلَى الْكُفَّارِ} الْآيَةَ، وَقِسْمَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ كَانَ بَعْدَ مُنْصَرَفِهِ إلَى الْجِعْرَانَةِ، وَكَانَتْ أَوَّلَ حُدُودِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ مَكَّةَ فُتِحَتْ وَأَرْضُ حُنَيْنٍ وَبَنِي الْمُصْطَلِقِ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ وَإِجْرَاءِ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ فِيهَا، وَهَذَا لِأَنَّ دَارَ الْحَرْبِ تَصِيرُ دَارَ إسْلَامٍ بِإِجْرَاءِ الْأَحْكَامِ وَبِثُبُوتِ الْأَمْنِ لِلْمُقِيمِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِيهَا، وَكَوْنُهَا مُتَاخِمَةً لِدَارِ الْإِسْلَامِ عَلَى قولهِ وَعَلَى قولهِمَا بِالْأَوَّلِ فَقَطْ.وَأَنْتَ إذَا عَلِمْت أَنَّ الْخِلَافَ لَيْسَ كَمَا قِيلَ بَلْ الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ لَا يَثْبُتُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ بِمُجَرَّدِ الْهَزِيمَةِ بَلْ فِي أَنَّ الْقِسْمَةَ هَلْ تُوجِبُ الْمِلْكَ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَمْكَنَكَ أَنْ تَجْعَلَ الدَّلِيلَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ عَلَى ذَلِكَ.وَتَقْرِيرُهُ لِلشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ صِحَّتِهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ لِتَمَامِ الِاسْتِيلَادِ عَلَى الْمُبَاحِ، فَإِذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقِسْمُ مَلَكَ.وَلَنَا مَنْعُ تَمَامِ السَّبَبِ فَلَا تُفِيدُ الْقِسْمَةُ الْمِلْكَ إلَّا عِنْدَ تَمَامِهِ وَهُوَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ.وَاعْلَمْ أَنَّ الْقِسْمَةَ إنَّمَا لَا تَصِحُّ إذَا قَسَمَ بِلَا اجْتِهَادٍ أَوْ اجْتَهَدَ فَوَقَعَ عَلَى عَدَمِ صِحَّتِهَا قَبْلَ الْإِحْرَازِ، أَمَّا إذَا قَسَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ مُجْتَهِدًا فَلَا شَكَّ فِي الْجَوَازِ وَثُبُوتِ الْأَحْكَامِ، وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ وَهُوَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام: «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَنِيمَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ» فَغَرِيبٌ جِدًّا.ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ خِلَافًا فِي أَنَّ الْخِلَافَ فِي عَدَمِ جَوَازِ الْقِسْمَةِ قَبْلَ الْإِحْرَازِ أَوْ فِي كَرَاهَتِهَا، فَقِيلَ: الْمُرَادُ عَدَمُ جَوَازِ الْقِسْمَةِ حَتَّى لَا تَثْبُتَ الْأَحْكَامُ مِنْ حِلِّ الْوَطْءِ وَنَفَاذِ الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ.وَقِيلَ الْكَرَاهَةُ لَا بُطْلَانُ الْقِسْمَةِ لِأَنَّهُمْ إذَا اشْتَغَلُوا بِهَا يَتَكَاسَلُونَ فِي أَمْرِ الْحَرْبِ وَرُبَّمَا يَتَفَرَّقُونَ، فَرُبَّمَا يَكُرُّ الْعَدُوُّ عَلَى بَعْضِهِمْ فَكَانَ الْمَنْعُ لِمَعْنًى فِي غَيْرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَلَا يُعْدَمُ الْجَوَازُ.ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ (هِيَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) فَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَقْسِمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «مَا قَسَمَ إلَّا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ»، وَالْأَفْعَالُ الْمُتَّفِقَةُ فِي الْأَوْقَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ لَا تَكُونُ إلَّا لِدَاعٍ هِيَ كَرَاهَةُ خِلَافِهِ أَوْ بُطْلَانِهِ، وَالْكَرَاهَةُ أَدْنَى فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ.قِيلَ: وَنُقِلَ الْخِلَافُ هَكَذَا، وَإِنْ كَانَ فِي الْمَبْسُوطِ غَيْرَ جَيِّدٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ خِلَافٌ عَنْهُمْ إلَّا مَا يُرْوَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ.وَهَذَا لِأَنَّ الْمَسَائِلَ الْإِفْرَادِيَّةَ الْمَوْضُوعَةَ مُصَرِّحَةٌ بِعَدَمِ صِحَّةِ الْقِسْمَةِ قَبْلَ الْإِحْرَازِ، مِثْلَ مَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْ الْغَانِمِينَ لَا يُوَرَّثُ حَقُّهُ مِنْ الْغَنِيمَةِ وَأَنَّهُ لَا يُبَاعُ مِنْ ذَلِكَ الْعَلَفِ وَنَحْوِهِ شَيْءٌ، وَمِنْهَا عَدَمُ جَوَازِ التَّنْفِيلِ بَعْدَ الْإِحْرَازِ، وَجَوَازُهُ قَبْلَهُ وَمُشَارَكَةُ الْمَدَدِ اللَّاحِقِ قَبْلَ الْإِحْرَازِ، ثُمَّ وَجْهُ الْكَرَاهَةِ بِقولهِ لِأَنَّ دَلِيلَ الْبُطْلَانِ: أَيْ بُطْلَانِ الْقِسْمَةِ قَبْلَ الْإِحْرَازِ رَاجِحٌ عَلَى دَلِيلِ جَوَازِهَا، إلَّا أَنَّهُ تَقَاعُدٌ عَنْ سَلْبِ الْجَوَازِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَثْبُتْ سَلْبُ الْجَوَازِ بِالِاتِّفَاقِ فَلَمْ يَبْطُلْ الْمَرْجُوحُ، وَإِذَا لَمْ يَبْطُلْ حَصَلَ مِنْ مُعَارَضَةِ الدَّلِيلِينَ الرَّاجِحِ وَالْمَرْجُوحِ الْكَرَاهَةُ كَمَا فِي سُؤْرِ الْهِرَّةِ لَمَّا انْتَفَتْ النَّجَاسَةُ لَمْ تَنْتَفِ الْكَرَاهَةُ، وَهَذَا الْكَلَامُ يَنْبُو عَنْ الْقَوَاعِدِ، فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ بِالرَّاجِحِ مِنْ الدَّلِيلِينَ وَتَرْكِ الْمَرْجُوحِ.وَإِذَا كَانَ الرَّاجِحُ دَلِيلَ الْبُطْلَانِ تَعَيَّنَ الْحُكْمُ بِالْبُطْلَانِ عِنْدَ الْمُجْتَهِدِ الَّذِي تَرَجَّحَ عِنْدَهُ وَكُوِّنَ لَهُ مُخَالِفٌ وَلَا إجْمَاعَ لَا يُوجِبُ، بَلْ لَا يَجُوزُ لِذَلِكَ الْمُجْتَهِدِ النُّزُولُ عَنْ مُقْتَضَاهُ وَإِلَّا فَكُلُّ خِلَافِيَّةٍ مِنْ الْمَسَائِلِ كَذَلِكَ، وَإِذَا لَزِمَ حُكْمُ الْبُطْلَانِ فَمَا مُوجِبُ إثْبَاتِ الْكَرَاهَةِ؟ وَالتَّحْقِيقُ فِي سُؤْرِ الْهِرَّةِ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَنْزِيهِيَّةٌ لِعَدَمِ تَحَامِيهَا مِنْ النَّجَاسَةِ؛ لِأَنَّ دَلِيلَ حُرْمَةِ اللَّحْمِ الْمُوجِبَ لِنَجَاسَةِ السُّؤْرِ عَارِضَةُ شِدَّةِ الْمُخَالَطَةِ وَتَرَجَّحَ عَلَيْهِ فَانْتَفَتْ النَّجَاسَةُ.وَالْكَرَاهَةُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ يَحْتَاجُ خُصُوصُهُ إلَى دَلِيلٍ، وَشِدَّةُ الْمُخَالَطَةِ دَلِيلُ الطَّهَارَةِ فَقَطْ فَتَبْقَى الْكَرَاهَةُ بِلَا دَلِيلٍ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْلِمِينَ حَاجَةٌ، أَمَّا إذَا تَحَقَّقَتْ لَهُمْ فِي دَارِ الْحَرْبِ بِالثِّيَابِ وَالْمَتَاعِ وَنَحْوِهِ قَسَمَهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ.متن الهداية:(وَالرِّدْءُ وَالْمُقَاتِلُ فِي الْعَسْكَرِ سَوَاءٌ) لِاسْتِوَائِهِمْ فِي السَّبَبِ وَهُوَ الْمُجَاوَزَةُ أَوْ شُهُودُ الْوَقْعَةِ عَلَى مَا عُرِفَ، وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يُقَاتِلْ لِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ لِمَا ذَكَرْنَا (وَإِذَا لَحِقَهُمْ الْمَدَدُ فِي دَارِ الْحَرْبِ قَبْلَ أَنْ يُخْرِجُوا الْغَنِيمَةَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ شَارَكُوهُمْ فِيهَا) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْقِتَالِ وَهُوَ بِنَاءً عَلَى مَا مَهَّدْنَاهُ مِنْ الْأَصْلِ، وَإِنَّمَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمُشَارَكَةِ عِنْدَنَا بِالْإِحْرَازِ أَوْ بِقِسْمَةِ الْإِمَامِ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ بِبَيْعِهِ الْمَغَانِمَ فِيهَا، لِأَنَّ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا يَتِمُّ الْمِلْكُ فَيَنْقَطِعُ حَقُّ شَرِكَةِ الْمَدَدِ.قَالَ: (وَلَا حَقَّ لِأَهْلِ سُوقِ الْعَسْكَرِ فِي الْغَنِيمَةِ إلَّا أَنْ يُقَاتِلُوا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قوليْهِ: يُسْهِمُ لَهُمْ لِقولهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام: «الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ» وَلِأَنَّهُ وَجَدَ الْجِهَادَ مَعْنًى بِتَكْثِيرِ السَّوَادِ.وَلَنَا أَنَّهُ لَمْ تُوجَدُ الْمُجَاوَزَةُ عَلَى قَصْدِ الْقِتَالِ فَانْعَدَمَ السَّبَبُ الظَّاهِرُ فَيُعْتَبَرُ السَّبَبُ الْحَقِيقِيُّ وَهُوَ الْقِتَالُ فَيُفِيدُ الِاسْتِحْقَاقَ عَلَى حَسَبِ حَالِهِ فَارِسًا أَوْ رَاجِلًا عِنْدَ الْقِتَالِ، وَمَا رَوَاهُ مَوْقُوفٌ عَلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ تَأْوِيلَهُ أَنْ يُشْهِدَهَا عَلَى قَصْدِ الْقِتَالِ.الشَّرْحُ:قولهُ: (وَالرِّدْءُ) أَيْ الْعَوْنُ (وَالْمُقَاتِلُ) أَيْ الْمُبَاشِرُ لِلْقِتَالِ مَعَ الْكُفَّارِ وَكَذَا أَمِيرُ الْعَسْكَرِ (سَوَاءٌ) فِي الْغَنِيمَةِ لَا يَتَمَيَّزُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَلَى آخَرَ بِشَيْءٍ، وَهَذَا بِلَا خِلَافٍ لِاسْتِوَاءِ الْكُلِّ فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَسَنُبَيِّنُ سَبَبَهُ فِيمَا يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.قولهُ: (وَإِذَا لَحِقَهُمْ الْمَدَدُ فِي دَارِ الْحَرْبِ قَبْلَ أَنْ يُخْرِجُوا الْغَنِيمَةَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ شَارَكُوهُمْ) أَيْ الْمَدَدَ (فِيهَا) وَعَنْ الشَّافِعِيِّ فِيهِ قولانِ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ بِنَاءً عَلَى مَا مَهَّدْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْمِلْكَ لَا يَتِمُّ لِلْغَانِمِينَ قَبْلَ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ فَجَازَ أَنْ يُشَارِكَهُمْ الْمَدَدَ إذَا قَامَ بِهِ الدَّلِيلُ، وَلَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَدَدِ إلَّا بِثَلَاثَةِ أُمُورٍ: الْإِحْرَازُ بِدَارِ الْإِسْلَامِ، وَالْقِسْمَةُ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَبَيْعُ الْإِمَامِ الْغَنِيمَةَ قَبْلَ لِحَاقِ الْمَدَدِ.هَذَا وَعَلَى مَا حَقَقْنَاهُ الْمَبْنِيُّ تَأَكَّدَ وَعَدَمُهُ، وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «بَعَثَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَبَانًا عَلَى سَرِيَّةٍ قِبَلَ نَجْدٍ، فَقَدِمَ أَبَانٌ وَأَصْحَابُهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْبَرَ بَعْدَمَا فَتَحَهَا، إلَى أَنْ قَالَ: فَلَمْ يَقْسِمْ لَهُمْ» لَا دَلِيلَ فِيهِ، لِأَنَّ وُصُولَ الْمَدَدِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَا يُوجِبُ شَرِكَةً، وَخَيْبَرُ صَارَتْ دَارَ إسْلَامٍ بِمُجَرَّدِ فَتْحِهَا فَكَانَ قُدُومُهُمْ وَالْغَنِيمَةُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ.وَأَمَّا إسْهَامُهُ لِأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَلَى مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ قَالَ: «بَلَغَنَا مَخْرَجُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ بِالْيَمَنِ فَخَرَجْنَا مُهَاجِرِينَ إلَيْهِ أَنَا وَأَخَوَانِ لِي أَنَا أَصْغَرُهُمْ أَحَدُهُمَا أَبُو بُرْدَةَ وَالْآخَرُ أَبُو رُهْمٍ فِي بِضْعٍ وَخَمْسِينَ رَجُلًا مِنْ قَوْمِي. فَرَكِبْنَا سَفِينَةً فَأَلْقَتْنَا إلَى النَّجَاشِيِّ، فَوَفَيْنَا جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَأَصْحَابُهُ عِنْدَهُ، فَقَالَ جَعْفَرٌ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَنَا هَاهُنَا وَأَمَرَنَا بِالْإِقَامَةِ فَأَقِيمُوا مَعَنَا فَأَقَمْنَا حَتَّى قَدِمْنَا فَوَافَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ فَأَسْهَمَ لَنَا. وَلَمْ يُسْهِمْ لِأَحَدٍ غَابَ عَنْ فَتْحِ خَيْبَرَ إلَّا أَصْحَابَ سَفِينَتِنَا» فَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ: إنَّمَا أَعْطَاهُمْ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ لِيَسْتَمِيلَ قُلُوبَهُمْ لَا مِنْ الْغَنِيمَةِ وَهُوَ حَسَنٌ.أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمْ يُعْطِ غَيْرَهُمْ مِمَّنْ لَمْ يَشْهَدْهَا.وَحَمَلَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى أَنَّهُمْ شَهِدُوا قَبْلَ حَوْزِ الْغَنَائِمِ خِلَافَ مَذْهَبِهِمْ فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ عِنْدَهُمْ فِي عَدَمِ الِاسْتِحْقَاقِ بَيْنَ كَوْنِ الْوُصُولِ قَبْلَ الْحَوْزِ أَوْ بَعْدَهُ بَعْدَ كَوْنِهِ بَعْدَ الْفَتْحِ قولهُ: (وَلَا حَقَّ لِأَهْلِ سُوقِ الْعَسْكَرِ) أَيْ (فِي الْغَنِيمَةِ) لَا سَهْمَ وَلَا رَضْخَ (إلَّا أَنْ يُقَاتِلُوا) فَحِينَئِذٍ يَسْتَحِقُّونَ السَّهْمَ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ.وَلِلشَّافِعِيِّ فِيهِ قولانِ: أَحَدُهُمَا كَقولنَا.وَالْآخَرُ يُسْهِمُ لَهُمْ، وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ بِمَا رُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ قَال: «الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ» وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى عُمَرَ كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ، ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ أَهْلَ الْبَصْرَةِ غَزَوْا نَهَاوَنْدَ، فَأَمَدَّهُمْ أَهْلُ الْكُوفَةِ وَعَلَيْهِمْ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَظَهَرُوا، فَأَرَادَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ أَنْ لَا يَقْسِمُوا لِأَهْلِ الْكُوفَةِ.فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ: أَيُّهَا الْعَبْدُ الْأَجْدَعُ تُرِيدُ أَنْ تُشَارِكَنَا فِي غَنَائِمِنَا؟ وَكَانَتْ أُذُنُهُ جُدِعَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: خَيْرُ أُذُنِي سَبَبْت، ثُمَّ كَتَبَ إلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَكَتَبَ عُمَرُ إنَّ الْغَنِيمَةَ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ.وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ: وَهُوَ صَحِيحٌ مِنْ قول عُمَرَ.وَأَخْرَجَ ابْنُ عَدِيٍّ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ.وَهَذَا قول صَحَابِيٍّ وَهُوَ لَا يَرَى جَوَازَ تَقْلِيدِ الْمُجْتَهِدِ إيَّاهُ، وَكَذَا عِنْدَ الْكَرْخِيِّ مِنْ مَشَايِخِنَا، وَعَلَى قول الْآخَرِينَ (تَأْوِيلُهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى قَصْدِ الْقِتَالِ) وَالْوَقْعَةُ هِيَ الْقِتَالُ، وَهُوَ مَعْنَى قول صَاحِبِ الْمُجْمَلِ الْوَقْعَةُ صَدْمَةُ الْحَرْبِ، وَشُهُودُهُ عَلَى قَصْدِ الْقِتَالِ إنَّمَا يُعْرَفُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: بِإِظْهَارِ خُرُوجِهِ لِلْجِهَادِ وَالتَّجْهِيزِ لَهُ لَا لِغَيْرِهِ، ثُمَّ الْمُحَافَظَةُ عَلَى ذَلِكَ الْقَصْدِ الظَّاهِرِ، وَهَذَا هُوَ السَّبَبُ الظَّاهِرُ الَّذِي يَنْبَنِي عَلَيْهِ الْحُكْمُ، وَإِمَّا بِحَقِيقَةِ قِتَالِهِ بِأَنْ كَانَ خُرُوجُهُ ظَاهِرًا لِغَيْرِهِ كَالسُّوقِيِّ وَسَائِسِ الدَّوَابِّ فَإِنَّ خُرُوجَهُ ظَاهِرًا لِغَيْرِهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ بِمُجَرَّدِ شُهُودِهِ إذْ لَا دَلِيلَ عَلَى قَصْدِ الْقِتَالِ، فَإِذَا قَاتَلَ ظَهَرَ أَنَّهُ قَصَدَهُ غَيْرَ أَنَّهُ ضَمَّ إلَيْهِ شَيْئًا آخَرَ كَالتِّجَارَةِ فِي الْحَجِّ لَا يَنْتَقِصُ بِهِ ثَوَابُ حَجِّهِ.وَعَلَى كَوْنِ السَّبَبِ مَا قُلْنَا فَرْعَ مَا لَوْ أُسِرَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَأَصَابُوا بَعْدَهُ غَنِيمَةً ثُمَّ انْفَلَتَ فَلَحِقَ بِالْجَيْشِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجُوا شَارَكَهُمْ فِيهَا وَفِي كُلِّ مَا يُصِيبُونَهُ وَإِنْ لَمْ يَلْقَوْا قِتَالًا بَعْدَهُ، وَلَوْ لَحِقَ بِعَسْكَرٍ غَيْرِ الَّذِي خَرَجَ مَعَهُمْ وَقَدْ أَصَابُوا غَنَائِمَ لَا يُشَارِكُهُمْ فِيهَا إلَّا أَنْ يَلْقَوْا قِتَالًا فَيُقَاتِلَ مَعَهُمْ، لِأَنَّهُ مَا انْعَقَدَ لَهُ سَبَبُ الِاسْتِحْقَاقِ مَعَهُمْ، وَإِنَّمَا كَانَ قَصْدُهُ مِنْ اللُّحُوقِ بِهِمْ الْفِرَارَ وَنَجَاةَ نَفْسِهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ إلَّا أَنْ يُقَاتِلُوا فَيُقَاتِلَ مَعَهُمْ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ تَبَيَّنَ أَنَّهُ قَصَدَ بِاللَّحَاقِ بِهِمْ الْقِتَالَ، وَكَذَا مَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَحِقَ بِالْعَسْكَرِ.وَالْمُرْتَدُّ إذَا تَابَ وَلَحِقَ بِالْعَسْكَرِ، وَالتَّاجِرُ الَّذِي دَخَلَ بِأَمَانٍ إذَا لَحِقَ بِالْعَسْكَرِ إنْ قَاتَلُوا اسْتَحَقُّوا وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُمْ.متن الهداية:(وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لِلْإِمَامِ حَمُولَةٌ تُحْمَلُ عَلَيْهَا الْغَنَائِمُ قَسَّمَهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ قِسْمَةَ إيدَاعٍ لِيَحْمُوَهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ يَرْتَجِعَهَا مِنْهُمْ فَيُقَسِّمَهَا) قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ: هَكَذَا ذُكِرَ فِي الْمُخْتَصَرِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ رِضَاهُمْ وَهُوَ رِوَايَةُ السِّيَرِ الْكَبِيرِ.وَالْجُمْلَةُ فِي هَذَا أَنَّ الْإِمَامَ إذَا وَجَدَ فِي الْمَغْنَمِ حَمُولَةً يَحْمِلُ الْغَنَائِمَ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْحَمُولَةَ وَالْمَحْمُولَ مَالُهُمْ.وَكَذَا إذَا كَانَ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَضْلُ حَمُولَةٍ لِأَنَّهُ مَالُ الْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ كَانَ لِلْغَانِمِينَ أَوْ لِبَعْضِهِمْ لَا يُجْبِرُهُمْ فِي رِوَايَةِ السِّيَرِ الصَّغِيرِ لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ إجَارَةٍ وَصَارَ كَمَا إذَا نَفَقَتْ دَابَّتُهُ فِي مَفَازَةٍ وَمَعَ رَفِيقِهِ فَضْلُ حَمُولَةٍ، وَيُجْبِرُهُمْ فِي رِوَايَةِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ لِأَنَّهُ دَفْعُ الضَّرَرِ الْعَامِّ بِتَحْمِيلِ ضَرَرٍ خَاصٍّ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْغَنَائِمِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ) لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ قَبْلَهَا، وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْأَصْلَ (وَمَنْ مَاتَ مِنْ الْغَانِمِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَلَا حَقَّ لَهُ فِي الْغَنِيمَةِ، وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ بَعْدَ إخْرَاجِهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَنَصِيبُهُ لِوَرَثَتِهِ) لِأَنَّ الْإِرْثَ يَجْرِي فِي الْمِلْكِ، وَلَا مِلْكَ قَبْلَ الْإِحْرَازِ، وَإِنَّمَا الْمِلْكُ بَعْدَهُ.وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْهَزِيمَةِ يُورَثُ نَصِيبُهُ لِقِيَامِ الْمِلْكِ فِيهِ عِنْدَهُ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ.الشَّرْحُ:قولهُ: (وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْإِمَامِ حَمُولَةٌ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ مِنْ بَعِيرٍ وَفَرَسٍ وَغَيْرِهِ (يَقْسِمُهَا بَيْنَهُمْ) فَقِيلَ: قِسْمَةُ الْغَنِيمَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِلْحَاجَةِ فَتَكُونُ هَذِهِ الْقِسْمَةُ بِالِاجْتِهَادِ فَتَصِحُّ، وَقِيلَ قِسْمَةُ إيدَاعٍ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَيَسْتَرِدُّهَا فَيَقْسِمُهَا، ثُمَّ عَلَى هَذَا يَكُونُ بِالْأُجْرَةِ وَهَلْ يُكْرِهُهُمْ عَلَى ذَلِكَ؟ فِي السِّيَرِ الصَّغِيرِ لَا يُكْرِهُهُمْ لِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ بِمَالِ الْغَيْرِ لَا يَطِيبُ مِنْ نَفْسِهِ، فَهُوَ كَمَنْ تَلِفَتْ دَابَّتُهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَمَعَ رَفِيقِهِ دَابَّةٌ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا كُرْهًا بِأَجْرِ الْمِثْلِ.وَقولهُ (لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ إجَارَةٍ) أَيْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ احْتِرَازٌ عَنْ مِثْلِ مَا إذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ إجَارَةِ السَّفِينَةِ فِي وَسَطِ الْبَحْرِ أَوْ الْبَعِيرِ فِي الْبَرِّيَّةِ فَإِنَّهُ تَنْعَقِدُ بَيْنَهُمَا إجَارَةٌ بِأَجْرِ الْمِثْلِ جَبْرًا.وَفِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ يُكْرِهُهُمْ؛ لِأَنَّهُ دَفَعَ الضَّرَرَ الْعَامَّ بِالضَّرَرِ الْخَاصِّ، وَلِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ رَاجِعَةٌ إلَيْهِمْ، وَالْأُجْرَةُ مِنْ الْغَنِيمَةِ.وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ إنْ خَافَ تَفَرُّقَهُمْ لَوْ قَسَمَهَا قِسْمَةَ الْغَنِيمَةِ يَفْعَلُ هَذَا وَإِنْ لَمْ يَخَفْ قَسَمَهَا قِسْمَةَ الْغَنِيمَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّهَا تَصِحُّ لِلْحَاجَةِ، وَفِيهِ إسْقَاطُ الْإِكْرَاهِ وَإِسْقَاطُ الْأُجْرَةِ.وَقولهُ فِي الْمُخْتَصَرِ أَيْ الْقُدُورِيِّ قولهُ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْغَنَائِمِ فِي دَارِ الْحَرْبِ) لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقولهِ (وَقَدْ بَيَّنَّا الْأَصْلَ فِيهِ) وَهَذَا فِي بَيْعِ الْغُزَاةِ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا بَيْعُ الْإِمَامِ لَهَا فَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ: يَعْنِي أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي ذَلِكَ، وَأَقَلُّهُ تَخْفِيفُ إكْرَاهِ الْحَمْلِ عَنْ النَّاسِ أَوْ عَنْ الْبَهَائِمِ وَنَحْوِهِ وَتَخْفِيفُ مُؤْنَتِهِ عَنْهُمْ فَيَقَعُ عَنْ اجْتِهَادٍ فِي الْمَصْلَحَةِ فَلَا يَقَعُ جُزَافًا فَيَنْعَقِدُ بِلَا كَرَاهَةٍ مُطْلَقًا.قولهُ: (وَمَنْ مَاتَ مِنْ الْغَانِمِينَ) تَقَدَّمَ تَفْرِيعُهَا عَلَى عَدَمِ الْمِلْكِ قَبْلَ دَارِ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقولهِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ.متن الهداية:قَالَ: (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَعْلِفَ الْعَسْكَرُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَيَأْكُلُوا مَا وَجَدُوهُ مِنْ الطَّعَامِ) قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَرْسَلَ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْحَاجَةِ، وَقَدْ شَرَطَهَا فِي رِوَايَةٍ وَلَمْ يَشْتَرِطْهَا فِي أُخْرَى.وَجْهُ الْأُولَى أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْغَانِمِينَ فَلَا يُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِهِ إلَّا لِحَاجَةٍ كَمَا فِي الثِّيَابِ وَالدَّوَابِّ.وَجْهُ الْأُخْرَى قولهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام: «فِي طَعَامِ خَيْبَرَ كُلُوهَا وَاعْلِفُوهَا وَلَا تَحْمِلُوهَا» وَلِأَنَّ الْحُكْمَ يُدَارُ عَلَى دَلِيلِ الْحَاجَةِ وَهُوَ كَوْنُهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ، لِأَنَّ الْغَازِيَ لَا يَسْتَصْحِبُ قُوتَ نَفْسِهِ وَعَلَفَ ظَهْرِهِ مُدَّةَ مُقَامِهِ فِيهَا وَالْمِيرَةُ مُنْقَطِعَةٌ، فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ لِلْحَاجَةِ بِخِلَافِ السِّلَاحِ لِأَنَّهُ يَسْتَصْحِبُهُ فَانْعَدَمَ دَلِيلُ الْحَاجَةِ، وَقَدْ تُمَسُّ إلَيْهِ الْحَاجَةُ فَتُعْتَبَرُ حَقِيقَتُهَا فَيَسْتَعْمِلُهُ ثُمَّ يَرُدُّهُ فِي الْمَغْنَمِ إذَا اسْتَغْنَى عَنْهُ، وَالدَّابَّةُ مِثْلُ السِّلَاحِ، وَالطَّعَامُ كَالْخُبْزِ وَاللَّحْمِ وَمَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ كَالسَّمْنِ وَالزَّيْتِ.قَالَ: (وَيَسْتَعْمِلُوا الْحَطَبَ) وَفِي بَعْضِ النَّسْخِ: الطِّيبَ، (وَيُدْهِنُوا بِالدُّهْنِ وَيُوقِحُوا بِهِ الدَّابَّةَ) لِمَسَاسِ الْحَاجَةِ إلَى جَمِيعِ ذَلِكَ (وَيُقَاتِلُوا بِمَا يَجِدُونَهُ مِنْ السِّلَاحِ، كُلُّ ذَلِكَ بِلَا قِسْمَةٍ) وَتَأْوِيلُهُ إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سِلَاحٌ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعُوا مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا وَلَا يَتَمَوَّلُونَهُ) لِأَنَّ الْبَيْعَ يَتَرَتَّبُ عَلَى الْمِلْكِ وَلَا مِلْكَ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ، وَإِنَّمَا هُوَ إبَاحَةٌ وَصَارَ كَالْمُبَاحِ لَهُ الطَّعَامُ، وَقولهُ وَلَا يَتَمَوَّلُونَهُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُمْ لَا يَبِيعُونَهُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْعُرُوضِ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَى ذَلِكَ، فَإِنْ بَاعَهُ أَحَدُهُمْ رَدَّ الثَّمَنَ إلَى الْغَنِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ عَيْنٍ كَانَتْ لِلْجَمَاعَةِ.وَأَمَّا الثِّيَابُ وَالْمَتَاعُ فَيُكْرَهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ لِلِاشْتِرَاكِ، إلَّا أَنَّهُ يُقَسِّمُ الْإِمَامُ بَيْنَهُمْ فِي دَارِ الْحَرْبِ إذَا احْتَاجُوا إلَى الثِّيَابِ وَالدَّوَابِّ وَالْمَتَاعِ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ يُسْتَبَاحُ لِلضَّرُورَةِ فَالْمَكْرُوهُ أَوْلَى، وَهَذَا لِأَنَّ حَقَّ الْمَدَدِ مُحْتَمَلٌ، وَحَاجَةُ هَؤُلَاءِ مُتَيَقَّنٌ بِهَا فَكَانَ أَوْلَى بِالرِّعَايَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْقِسْمَةَ فِي السِّلَاحِ، وَلَا فَرْقَ فِي الْحَقِيقَةِ لِأَنَّهُ إذَا احْتَاجَ وَاحِدٌ يُبَاحُ لَهُ الِانْتِفَاعُ فِي الْفَصْلَيْنِ، وَإِنْ احْتَاجَ الْكُلُّ يُقَسِّمُ فِي الْفَصْلَيْنِ، بِخِلَافِ مَا إذَا احْتَاجُوا إلَى السَّبْيِ حَيْثُ لَا يُقَسِّمُ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَيْهِ مِنْ فُضُولِ الْحَوَائِجِ.الشَّرْحُ:قولهُ: (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَعْلِفَ الْعَسْكَرُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَيَأْكُلُوا مَا وَجَدُوهُ مِنْ الطَّعَامِ) عَلَفَ الدَّابَّةَ عَلَفًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ ضَرْبًا فَهِيَ مَعْلُوفَةٌ وَعَلِيفٌ وَالْعَلَفُ مَا اعْتَلَفَهُ.وَحَاصِلُ مَا هُنَا أَنَّ الْمَوْجُودَ إمَّا مَا يُؤْكَلُ أَوْ لَا، وَمَا يُؤْكَلُ إمَّا يُتَدَاوَى بِهِ كَالْهِلِيلَجِ أَوْ لَا، فَالثَّانِي لَيْسَ لَهُمْ اسْتِعْمَالُهُ إلَّا مَا كَانَ مِنْ السِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ كَالْفَرَسِ فَيَجُوزُ بِشَرْطِ الْحَاجَةِ بِأَنْ مَاتَ فَرَسُهُ أَوْ انْكَسَرَ سَيْفُهُ.أَمَّا إذَا أَرَادَ أَنْ يُوَفِّرَ سَيْفَهُ وَفَرَسَهُ بِاسْتِعْمَالِ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ، وَلَوْ فَعَلَ أَثِمَ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لَوْ تَلِفَ نَحْوَ الْحَطَبِ، بِخِلَافِ الْخَشَبِ الْمَنْحُوتِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ عَلَى الشَّرِكَةِ فَلَا يَخْتَصُّ بَعْضُهُمْ بِبَعْضِ الْمُسْتَحَقِّ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ أَثَرًا لِلْمِلْكِ فَضْلًا عَنْ الِاسْتِحْقَاقِ، بِخِلَافِ حَالَةِ الضَّرُورَةِ فَإِنَّهَا سَبَبُ الرُّخْصَةِ فَيَسْتَعْمِلُهُ ثُمَّ يَرُدُّهُ إلَى الْغَنِيمَةِ إذَا انْقَضَى الْحَرْبُ، وَكَذَا الثَّوْبُ إذَا ضَرَّهُ الْبَرْدُ فَيَسْتَعْمِلُهُ ثُمَّ يَرُدُّهُ إذَا اسْتَغْنَى عَنْهُ، وَلَوْ تَلِفَ قَبْلَ الرَّدِّ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَلَوْ احْتَاجَ الْكُلُّ إلَى الثِّيَابِ وَالسِّلَاحِ قَسَمَهَا حِينَئِذٍ بَيْنَهُمْ (وَلَمْ يَذْكُرْ) مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ (قِسْمَةَ السِّلَاحِ وَلَا فَرْقَ) كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ لِأَنَّ الْحَاجَةَ فِي السِّلَاحِ وَالثِّيَابِ وَاحِدٌ، بِخِلَافِ السَّبْيِ لَا يَقْسِمُ إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ فُضُولِ الْحَوَائِجِ لَا مِنْ أُصُولِهَا فَيَسْتَصْحِبُهُمْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ مُشَاةً، فَإِنْ لَمْ يُطِيقُوا، وَلَيْسَ مَعَهُ فَضْلُ حَمُولَةٍ قَتَلَ الرِّجَالَ وَتَرَكَ النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ، وَهَلْ يُكْرَهُ مَنْ عِنْدَهُ فَضْلُ حَمُولَةٍ عَلَى الْحَمْلِ: يَعْنِي بِالْأَجْرِ فِيهِ رِوَايَتَانِ تَقَدَّمَتَا.وَأَمَّا مَا يُتَدَاوَى بِهِ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ تَنَاوُلُهُ، وَكَذَا الطِّيبُ وَالْأَدْهَانُ الَّتِي لَا تُؤْكَلُ كَدُهْنِ الْبَنَفْسَجِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَحَلِّ الْحَاجَةِ بَلْ الْفُضُولُ.وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام: «رُدُّوا الْخَيْطَ وَالْمَخِيطَ» وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَوْ تَحَقَّقَ بِأَحَدِهِمْ مَرَضٌ يَحُوجُهُ إلَى اسْتِعْمَالِهَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ كَلُبْسِ الثَّوْبِ، فَالْمُعْتَبَرُ حَقِيقَةُ الْحَاجَةِ.وَأَمَّا مَا يُؤْكَلُ لَا لِلتَّدَاوِي سَوَاءٌ كَانَ مُهَيَّأً لِلْأَكْلِ كَاللَّحْمِ الْمَطْبُوخِ وَالْخُبْزِ وَالزَّبِيبِ وَالْعَسَلِ وَالسُّكَّرِ وَالْفَاكِهَةِ الْيَابِسَةِ وَالرَّطْبَةِ وَالْبَصَلِ وَالشَّعِيرِ وَالتِّبْنِ وَالْأَدْهَانِ الْمَأْكُولَةِ كَالزَّيْتِ وَالسَّمْنِ فَلَهُمْ الْأَكْلُ، وَالْأَدْهَانُ تِلْكَ الْأَدْهَانُ؛ لِأَنَّ الْأَدْهَانَ انْتِفَاعٌ فِي الْبَدَنِ كَالْأَكْلِ وَيُوقِحُوا الدَّوَابَّ بِهَا، وَتَوْقِيحُ الدَّابَّةِ تَصْلِيبُ حَافِرِهَا بِالدُّهْنِ إذَا حَفِيَ مِنْ كَثْرَةِ الْمَشْيِ.وَالرَّاءُ أَيْ التَّرْقِيحُ خَطَأٌ، كَذَا فِي الْمُغْرِبِ لَكِنَّ الْأَصَحَّ جَوَازُهُ.وَنُقِلَ عَنْ الْمُصَنِّفِ بِالرَّاءِ مِنْ التَّرْقِيحِ وَهُوَ الْإِصْلَاحُ قَالَ: هَكَذَا قَرَأْنَا عَلَى الْمَشَايِخِ.وَفِي الْجَمْهَرَةِ: رَقَّحَ عَيْشَهُ تَرْقِيحًا إذَا أَصْلَحَهُ وَأَنْشَدَ: وَالْهَمَجُ مِنْ النَّاسِ هُمْ الَّذِينَ لَا نِظَامَ لَهُمْ، فَالتَّرْقِيحُ أَعَمُّ مِنْ التَّوْقِيحِ، وَكَذَا كُلُّ مَا يَكُونُ غَيْرَ مُهَيَّأٍ كَالْغَنَمِ وَالْبَقَرِ فَلَهُمْ ذَبْحُهَا وَأَكْلُهَا وَيَرُدُّونَ الْجِلْدَ إلَى الْغَنِيمَةِ.ثُمَّ شَرَطَ فِي السِّيَرِ الصَّغِيرِ الْحَاجَةَ إلَى التَّنَاوُلِ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَلَمْ يَشْتَرِطْهَا فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ، وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ، فَيَجُوزُ لِكُلٍّ مِنْ الْفَقِيرِ وَالْغَنِيِّ تَنَاوُلُهُ إلَّا التَّاجِرَ وَالدَّاخِلَ لِخِدْمَةِ الْجُنْدِيِّ بِأَجْرٍ لَا يَحِلُّ لَهُمْ، وَلَوْ فَعَلُوا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ وَيَأْخُذُ مَا يَكْفِيهِ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ عَبِيدِهِ وَنِسَائِهِ وَصِبْيَانِهِمْ الَّذِينَ دَخَلُوا مَعَهُ.وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْخُذَ مَا يَكْفِي الدَّاخِلَ لِخِدْمَتِهِ كَعَبْدِهِ لِأَنَّ نَفَقَتَهُ عَلَيْهِ عَادَةً فَصَارَ الْحَاصِلُ مَنْعَ الدَّاخِلِ بِنَفْسِهِ دُونَ الْغَازِي أَنْ يَأْخُذَ لِأَجَلِهِ، وَلِأَنَّ دَلِيلَ الْحَاجَةِ قَائِمٌ وَهُوَ كَوْنُهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ مُنْقَطِعًا عَنْ الْأَسْبَابِ فَيُدَارُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ نَحْوِ الثِّيَابِ وَالسِّلَاحِ يُنَاطُ بِحَقِيقَةِ الْحَاجَةِ، وَالْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ قولهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام: «فِي طَعَامِ خَيْبَرَ كُلُوهَا وَاعْلِفُوهَا وَلَا تُحَمِّلُوهَا» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ.أَنْبَأْنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بَشْرَانَ أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَشْجَعِيِّ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «يَوْمَ خَيْبَرَ كُلُوا وَاعْلِفُوا وَلَا تَحْمِلُوا» وَأَخْرَجَهُ الْوَاقِدِيُّ فِي مَغَازِيهِ بِغَيْرِ هَذَا السَّنَدِ، وَهَذَا الْإِطْلَاقُ يُوَافِقُ رِوَايَةَ السِّيَرِ الْكَبِيرِ.وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى: «أَصَبْنَا طَعَامًا يَوْمَ خَيْبَرَ فَكَانَ الرَّجُلُ يَجِيءُ فَيَأْخُذُ مِنْهُ مِقْدَارَ مَا يَكْفِيهِ ثُمَّ يَنْصَرِفُ».وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ هَانِئِ بْنِ كُلْثُومٍ أَنَّ صَاحِبَ جَيْشِ الشَّامِ كَتَبَ إلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إنَّا فَتَحْنَا أَرْضًا كَثِيرَةَ الطَّعَامِ وَالْعَلَفِ فَكَرِهْت أَنْ أَتَقَدَّمَ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِأَمْرِك، فَكَتَبَ إلَيْهِ: دَعْ النَّاسَ يَأْكُلُونَ وَيَعْلِفُونَ، فَمَنْ بَاعَ شَيْئًا بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَفِيهِ خُمُسٌ لِلَّهِ وَسِهَامٌ لِلْمُسْلِمِينَ.وَهَذَا دَلِيلُ مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ مِنْ قولهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعُوا مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، وَلَا يَتَمَوَّلُونَهُ، فَإِنْ بَاعُوا رَدُّوا الثَّمَنَ إلَى الْغَنِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ عِوَضُ عَيْنٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَ الْغَانِمِينَ اسْتِحْقَاقًا.متن الهداية:قَالَ: (وَمَنْ) (أَسْلَمَ مِنْهُمْ) مَعْنَاهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ (أَحْرَزَ بِإِسْلَامِهِ نَفْسَهُ) لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يُنَافِي ابْتِدَاءَ الِاسْتِرْقَاقِ (وَأَوْلَادَهُ الصِّغَارَ) لِأَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا (وَكُلُّ مَالٍ هُوَ فِي يَدِهِ) لِقولهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام: «مَنْ أَسْلَمَ عَلَى مَالٍ فَهُوَ لَهُ» وَلِأَنَّهُ سَبَقَتْ يَدَهُ الْحَقِيقِيَّةَ إلَيْهِ يَدُ الظَّاهِرِينَ عَلَيْهِ (أَوْ وَدِيعَةً فِي يَدِ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ) لِأَنَّهُ فِي يَدٍ صَحِيحَةٍ مُحْتَرَمَةٍ وَيَدُهُ كَيَدِهِ (فَإِنْ ظَهَرْنَا عَلَى دَارِ الْحِرَابِ فَعَقَارُهُ فَيْءٌ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُوَ لَهُ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ فَصَارَ كَالْمَنْقول.وَلَنَا أَنَّ الْعَقَارَ فِي يَدِ أَهْلِ الدَّارِ وَسُلْطَانُهَا إذَا هُوَ مِنْ جُمْلَةِ دَارِ الْحَرْبِ فَلَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ حَقِيقَةً، وَقِيلَ هَذَا قول أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الْآخَرُ.وَفِي قول مُحَمَّدٍ وَهُوَ قول أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ هُوَ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَمْوَالِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْيَدَ حَقِيقَةً لَا تَثْبُتُ عَلَى الْعَقَارِ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَثْبُتُ (وَزَوْجَتُهُ فَيْءٌ) لِأَنَّهَا كَافِرَةٌ حَرْبِيَّةٌ لَا تَتْبَعُهُ فِي الْإِسْلَامِ (وَكَذَا حَمْلُهَا فَيْءٌ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ.هُوَ يَقول إنَّهُ مُسْلِمٌ تَبَعًا كَالْمُنْفَصِلِ.وَلَنَا أَنَّهُ جُزْؤُهَا فَيَرِقُّ بِرِقِّهَا وَالْمُسْلِمُ مَحَلٌّ لِلتَّمَلُّكِ تَبَعًا لِغَيْرِهِ بِخِلَافِ الْمُنْفَصِلِ لِأَنَّهُ حُرٌّ لِانْعِدَامِ الْجُزْئِيَّةِ عِنْدَ ذَلِكَ (وَأَوْلَادُهُ الْكِبَارُ فَيْءٌ) لِأَنَّهُمْ كُفَّارٌ حَرْبِيُّونَ وَلَا تَبَعِيَّةَ (وَمَنْ قَاتَلَ مِنْ عَبِيدِهِ فَيْءٌ) لِأَنَّهُ لَمَّا تَمَرَّدَ عَلَى مَوْلَاهُ خَرَجَ مِنْ يَدِهِ فَصَارَ تَبَعًا لِأَهْلِ دَارِهِمْ (وَمَا كَانَ مِنْ مَالِهِ فِي يَدِ حَرْبِيٍّ فَهُوَ فَيْءٌ) غَصْبًا كَانَ أَوْ وَدِيعَةً؛ لِأَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ بِمُحْتَرَمَةٍ (وَمَا كَانَ غَصْبًا فِي يَدِ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ فَهُوَ فَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَكُونُ فَيْئًا) قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: كَذَا ذُكِرَ الِاخْتِلَافُ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ.وَذَكَرُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قول أَبِي يُوسُفَ مَعَ مُحَمَّدٍ.لَهُمَا أَنَّ الْمَالَ تَابِعٌ لِلنَّفْسِ، وَقَدْ صَارَتْ مَعْصُومَةً بِإِسْلَامِهِ فَيَتْبَعُهَا مَالُهُ فِيهَا.وَلَوْ أَنَّهُ مَالٌ مُبَاحٌ فَيُمْلَكُ بِالِاسْتِيلَاءِ وَالنَّفْسُ لَمْ تَصِرْ مَعْصُومَةً بِالْإِسْلَامِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُتَقَوِّمَةٍ إلَّا أَنَّهُ مُحَرَّمٌ التَّعَرُّضُ فِي الْأَصْلِ لِكَوْنِهِ مُكَلَّفًا وَإِبَاحَةُ التَّعَرُّضِ بِعَارِضِ شَرِّهِ وَقَدْ انْدَفَعَ بِالْإِسْلَامِ، بِخِلَافِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ خُلِقَ عُرْضَةً لِلِامْتِهَانِ فَكَانَ مَحَلًّا لِلتَّمَلُّكِ وَلَيْسَتْ فِي يَدِهِ حُكْمًا فَلَمْ تَثْبُتْ الْعِصْمَةُ.الشَّرْحُ:قولهُ: (وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ) هُنَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ: إحْدَاهَا أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يَخْرُجْ إلَيْنَا حَتَّى ظَهَرَ عَلَى الدَّارِ.وَالْحُكْمُ فِيهَا مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ مِنْ أَنَّهُ أَحْرَزَ نَفْسَهُ وَوَلَدَهُ الصِّغَارَ وَمَا كَانَ فِي يَدِهِ مِنْ الْمَنْقولاتِ إلَى آخِرِ مَا سَنَذْكُرُ.ثَانِيهَا أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ خَرَجَ إلَيْنَا ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى الدَّارِ فَجَمِيعُ مَا لَهُ هُنَاكَ فَيْءٌ إلَّا أَوْلَادَهُ الصِّغَارَ؛ لِأَنَّهُ حِينَ أَسْلَمَ كَانَ مُسْتَتْبِعًا لَهُمْ فَصَارُوا مُسْلِمِينَ فَلَا يَرُدُّ الرِّقَّ عَلَيْهِمْ ابْتِدَاءً، بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ لِانْقِطَاعِ يَدِهِ عَنْهُ بِالتَّبَايُنِ فَيَغْنَمُ، وَمَا أَوْدَعَ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا لَيْسَ فَيْئًا لِأَنَّ يَدَهُمَا يَدٌ صَحِيحَةٌ عَلَى ذَلِكَ الْمَالِ فَتَدْفَعُ إحْرَازَ الْمُسْلِمِ فَتُرَدُّ عَلَيْهِ، وَمَا أَوْدَعَ حَرْبِيًّا فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَيْءٌ.وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَهُ لِأَنَّ يَدَهُ تَخْلُفُ يَدَهُ.وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّهَا لَيْسَتْ يَدًا صَحِيحَةً حَتَّى لَا تَدْفَعَ اغْتِنَامَ الْمُسْلِمِينَ عَنْ أَمْوَالِهِ.وَثَالِثُهَا مُسْتَأْمَنٌ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ ظَهَرْنَا عَلَى دَارِهِ فَجَمِيعُ مَا خَلَفَهُ فِيهَا مِنْ الْأَوْلَادِ الصِّغَارِ وَالْمَالِ فَيْءٌ؛ لِأَنَّ تَبَايُنَ الدَّارَيْنِ قَاطِعٌ لِلْعِصْمَةِ، فَبِالظُّهُورِ ثَبَتَ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى مَالٍ غَيْرِ مَعْصُومٍ، أَمَّا فِي غَيْرِ الْأَوْلَادِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا فِيهِمْ فَلِأَنَّهُمْ لَمْ يَصِيرُوا مُسْلِمِينَ بِإِسْلَامِهِ لِانْقِطَاعِ التَّبَعِيَّةِ بِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ فَكَانُوا مِنْ جُمْلَةِ الْأَمْوَالِ.رَابِعُهَا: دَخَلَ الْمُسْلِمُ أَوْ الذِّمِّيُّ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ وَاشْتَرَى مِنْهُمْ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا ثُمَّ ظَهَرْنَا عَلَى الدَّارِ فَالْكُلُّ لَهُ إلَّا الدُّورَ وَالْأَرْضِينَ فَإِنَّهَا فَيْءٌ؛ لِأَنَّ يَدَهُ صَحِيحَةٌ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ فَتَكُونُ يَدُهُ مُحْرِزَةً دَافِعَةً لِإِحْرَازِ الْمُسْلِمِينَ إيَّاهَا، فَأَمَّا الْأَرْضُونَ فَالْوَجْهُ فِيهَا مَا سَنَذْكُرُ، وَمَنْ قَاتَلَ مِنْ عَبِيدِهِ فَيْءٌ وَامْرَأَتُهُ الْحُبْلَى الْحَرْبِيَّةُ وَمَا فِي بَطْنِهَا فَيْءٌ وَوَدِيعَتُهُ وَلَوْ عِنْدَ حَرْبِيٍّ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مَا دَامَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَيَدُهُ عَلَيْهَا.وَلْنَأْتِ إلَى مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ قَالَ: وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ إلَخْ، قَالَ الْمُصَنِّفُ: مَعْنَاهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ قَيَّدَ بِهِ احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ أَسْلَمَ مُسْتَأْمَنٌ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى الدَّارِ فَإِنَّ جَمِيعَ مَا خَلَفَهُ فِيهَا حَتَّى صِغَارَهُ فَيْءٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، وَهُوَ بَعْدَ ذَلِكَ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ خَرَجَ إلَيْنَا أَوْ لَمْ يَخْرُجْ إلَيْنَا، وَالْحُكْمُ الْمَذْكُورُ يَخُصُّ مَا إذَا لَمْ يَخْرُجْ حَتَّى ظَهَرَ عَلَى الدَّارِ لِمَا سَمِعْته آنِفًا مِنْ أَنَّ الَّذِي خَرَجَ فَظَهَرَ عَلَى الدَّارِ وَهُوَ عِنْدَنَا لَا يُحْرِزُ غَيْرَ بَنِيهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِكُلِّ مَنْ كَوْنُهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَكَوْنُهُ لَمْ يَخْرُجْ حَتَّى ظَهَرَ عَلَى الدَّارِ وَحِينَئِذٍ (يُحْرِزُ نَفْسَهُ وَأَوْلَادَهُ الصِّغَارَ؛ لِأَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ تَبَعًا وَكُلَّ مَالٍ) بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى نَفْسِهِ مِنْ نَقْدٍ وَعَبِيدٍ وَإِمَاءٍ لَمْ يُقَاتِلُوا (لِقولهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام: «مَنْ أَسْلَمَ عَلَى مَالٍ فَهُوَ لَهُ»).قَالَ مُحَمَّدٌ: حَدَّثَنَا الثِّقَةُ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي لَهِيعَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: «مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ لَهُ» وَأَحْسَنُ مِنْ هَذَا السَّنَدِ سَنَدُ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَدِيثَ، وَهَذَا مُرْسَلٌ صَحِيحٌ.وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ أَبَانِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ صَخْرِ بْنِ الْعَيْلَةِ «أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ غَزَا ثَقِيفًا، فَسَاقَهُ إلَى أَنْ قَالَ فَدَعَاهُ: أَيْ دَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَخْرًا فَقَالَ لَهُ: إنَّ الْقَوْمَ إذَا أَسْلَمُوا أَحْرَزُوا دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، ثُمَّ سَاقَهُ إلَى أَنْ قَالَ: وَسَأَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاءً لِبَنِي سُلَيْمٍ فَأَنْزَلَهُ إيَّاهُ وَأَسْلَمَ، يَعْنِي السُّلَيْمِيِّينَ، وَسَاقَهُ إلَى أَنْ قَالَ: فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَسْلَمْنَا وَأَتَيْنَا صَخْرًا لِيَدْفَعَ إلَيْنَا مَاءَنَا فَأَبَى، فَدَعَاهُ فَقَالَ: يَا صَخْرُ إنَّ الْقَوْمَ إذَا أَسْلَمُوا أَحْرَزُوا دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ فَادْفَعْ إلَى الْقَوْمِ مَاءَهُمْ» وَأَبَانُ هَذَا مُخْتَلَفٌ فِي تَوْثِيقِهِ وَتَضْعِيفِهِ، وَصَخْرُ بْنُ الْعَيْلَةِ بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ يَلِيهَا يَاءٌ مُثَنَّاةٌ مِنْ تَحْتُ، وَيُقَالُ ابْنُ أَبِي الْعَيْلَةِ (وَلِأَنَّهُ سَبَقَتْ يَدُهُ الْحَقِيقِيَّةُ إلَيْهِ يَدَ الظَّاهِرِينَ عَلَيْهِ) وَقولهُ (أَوْ وَدِيعَةً) أَوْدَعَهَا (فِي يَدِ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ لِأَنَّهُ فِي يَدٍ صَحِيحَةٍ مُحْتَرَمَةٍ) بِنَصْبِ وَدِيعَةٍ (وَيَدُهُ) أَيْ يَدُ الْمُودِعِ (كَيَدِهِ، فَإِنْ ظَهَرْنَا عَلَى الدَّارِ فَعَقَارُهُ فَيْءٌ) وَمَالُهُ مِنْ زَرْعٍ قَبْلَ أَنْ يَحْصُدَ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْأَرْضِ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُوَ لَهُ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ فَهُوَ كَالْمَنْقول) وَلَمْ يَذْكُرُوا خِلَافًا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ.وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ بَعْضِهِمْ نَقَلَ الْخِلَافَ فَقَالَ: (وَقِيلَ هَذَا قول أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الْآخَرُ، وَفِي قول مُحَمَّدٍ وَهُوَ قول أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ هُوَ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَمْوَالِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْيَدَ لَا تَثْبُتُ حَقِيقَةً عَلَى الْعَقَارِ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَثْبُتُ) وَحَكَاهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ عَلَى خِلَافِ هَذَا فَقَالَ: فَأَمَّا عَقَارُهُ لَا يَصِيرُ غَنِيمَةً فِي قول أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: أَسْتَحْسِنُ فَأَجْعَلُ عَقَارَهُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مِلْكٌ مُحْتَرَمٌ لَهُ كَالْمَنْقول.اهـ.وَحَكَى غَيْرُهُ أَنَّ عِنْدَهُمَا لَا يَصِيرُ فَيْئًا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ فَيْءٌ، وَوَجْهُهُ مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ بِقولهِ (وَلَنَا أَنَّ الْعَقَارَ فِي يَدِ أَهْلِ الدَّارِ وَسُلْطَانِهَا؛ إذْ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ دَارِ الْحَرْبِ فَلَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ حَقِيقَةً) بَلْ حُكْمًا، وَدَارُ الْحَرْبِ لَيْسَتْ دَارَ أَحْكَامٍ فَكَانَتْ يَدُهُ غَيْرَ مُعْتَبَرَةٍ قَبْلَ ظُهُورِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الدَّارِ وَبَعْدَ ظُهُورِهِمْ يَدُهُمْ أَقْوَى مِنْ يَدِ السُّلْطَانِ وَأَهْلِ الدَّارِ؛ لِأَنَّهَا جُعِلَتْ شَرْعًا سَالِبَةً لِمَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَظَاهِرُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبَانَ يَشْهَدُ لِكَوْنِهِ غَيْرَ فَيْءٍ فَإِنَّهُ قَالَ لِصَخْرٍ حِينَ مَنَعَهُمْ مَاءَهُمْ: «إنَّ الْقَوْمَ إذَا أَسْلَمُوا أَحْرَزُوا أَمْوَالَهُمْ» فَسَمَّاهُ مَالًا.وَالْمُرَادُ مِنْ الْمَاءِ الْأَرْضُ الَّتِي فِيهَا الْمَاءُ لَا نَفْسُ الْمَاءِ بِخُصُوصِهِ؛ أَلَا تَرَى إلَى قولهِ أَنْزَلَنِي فَأَنْزَلَهُ إيَّاهُ، وَالِاسْتِدْلَالُ بِقولهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام: «فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ» بِنَاءً عَلَى تَسْمِيَتِهَا مَالًا فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ، لَكِنْ قَدْ ضَعَّفَ أَبَانًا جَمَاعَةٌ مَعَ احْتِمَالِ أَنْ يُرَادَ حَقِيقَةُ الْمَاءِ وَنُزُولُ الْأَرْضِ لِأَجْلِهِ.قَالَ: (وَزَوْجَتُهُ فَيْءٌ؛ لِأَنَّهَا كَافِرَةٌ حَرْبِيَّةٌ لَا تَتْبَعُهُ فِي الْإِسْلَامِ، وَكَذَا حَمْلُهَا فَيْءٌ) وَإِنْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِخَيْرِ الْأَبَوَيْنِ دِينًا (خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. هُوَ يَقول إنَّهُ مُسْلِمٌ كَالْمُنْفَصِلِ. وَلَنَا أَنَّهُ جُزْؤُهَا فَيَرِقُّ بِرِقِّهَا. وَالْمُسْلِمُ مَحَلٌّ لِلتَّمَلُّكِ تَبَعًا لِغَيْرِهِ) كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ أُمَّهُ الْغَيْرُ تَكُونُ أَوْلَادُهُ مُسْلِمِينَ أَرِقَّاءَ (بِخِلَافِ الْمُنْفَصِلِ لِانْعِدَامِ الْجُزْئِيَّةِ وَأَوْلَادُهُ الْكِبَارُ فَيْءٌ لِأَنَّهُمْ كُفَّارٌ حَرْبِيُّونَ) لَا يَتْبَعُونَهُ فِي الْإِسْلَامِ، وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا (وَمَنْ قَاتَلَ مِنْ عَبِيدِهِ) فَهُوَ (فَيْءٌ) خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، وَالظَّاهِرُ مَعَهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهِ مَالَهُ.وَلِأَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَمَّا قَاتَلَ، وَالْفَرْضُ أَنَّ سَيِّدَهُ مُسْلِمٌ فَقَدْ تَمَرَّدَ عَلَى مَوْلَاهُ فَخَرَجَ عَنْ يَدِهِ فَصَارَ تَبَعًا لِأَهْلِ دَارِهِمْ فَنَقَصَتْ نِسْبَتُهُ بِالْمَالِيَّةِ إلَى مَوْلَاهُ؛ لِأَنَّ كَمَالَ مَعْنَى مَالِيَّتِهِ بِالْمِلْكِ وَالْيَدِ وَعَنْ هَذَا قُلْنَا (مَا كَانَ مِنْ مَالِهِ فِي يَدِ حَرْبِيٍّ غَصْبًا فَهُوَ فَيْءٌ) لِارْتِفَاعِ يَدِهِ بِالْغَصْبِ، وَالْيَدُ الَّتِي خَلَفَتْ لَيْسَتْ صَحِيحَةً وَلَا مُحْتَرَمَةً، وَلِأَنَّ الْحَرْبِيَّ الْغَاصِبَ مَلَكَهُ بِالْغَصْبِ؛ لِأَنَّ دَارَ الْحَرْبِ دَارُ الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ، قَالَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ.وَكَذَا إذَا كَانَ وَدِيعَةً عِنْدَ حَرْبِيٍّ عِنْدَهُ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ فِي الْفَصْلَيْنِ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ، وَلِأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي فَصْلِ الْوَدِيعَةِ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمُودِعِ كَيَدِهِ، وَلَوْ كَانَتْ فِي يَدِهِ حَقِيقَةً لَا تَكُونُ فَيْئًا فَكَذَا إذَا كَانَتْ فِي يَدِهِ حُكْمًا، بِخِلَافِ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي يَدِهِ حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا.وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ يَدَ الْحَرْبِيِّ لَيْسَتْ مُحْتَرَمَةً؛ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَا تُدْفَعُ يَدُ الْغَانِمِينَ عَنْ مَالِهِمْ فَلَا تُدْفَعُ يَدُهُمْ عَنْ مَالِ غَيْرِهِمْ.وَأَوْرَدَ أَنَّ يَدَ الْمُودِعِ الْحَرْبِيِّ لَمَّا قَامَتْ مَقَامَ يَدِهِ وَجَبَ أَنْ تَعْمَلَ عَمَلَ الْأَصْلِ وَهُوَ يَدُ الْمُسْلِمِ لَا بِوَصْفِ نَفْسِهَا، كَمَا أَنَّ التُّرَابَ لَمَّا كَانَ خَلْفًا عَنْ الْمَاءِ عَمِلَ بِصِفَةِ الْمَاءِ فَرَفَعَ الْحَدَثَ فَيَكُونُ الْمَالُ مَعْصُومًا لِعِصْمَةِ صَاحِبِهِ.أُجِيبُ بِجَوَابَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمَالَ فِي الْأَصْلِ غَيْرُ مَعْصُومٍ بَلْ عَلَى الْإِبَاحَةِ.وَإِنَّمَا يَنْعَصِمُ تَبَعًا لِعِصْمَةِ مَالِكِهِ، وَتَبَعِيَّتُهُ لَهُ فِي الْعِصْمَةِ إنَّمَا تَثْبُتُ إذَا ثَبَتَتْ يَدُ الْمَالِكِ الْمَعْصُومِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا مَعَ الِاحْتِرَامِ وَكِلَاهُمَا مُنْتَفٍ هُنَا، وَهَذَا مِمَّا قَدْ يُمْنَعُ فِيهِ عَدَمُ الِاحْتِرَامِ بَلْ يَدُهُ الْحُكْمِيَّةُ مُحْتَرَمَةٌ، وَغَيْرُ الْمُحْتَرَمَةِ إنَّمَا هِيَ يَدُ الْحَرْبِيِّ الْحَقِيقِيَّةُ.الثَّانِي أَنَّ قِيَامَ يَدِ الْمُودِعِ حَقِيقِيٌّ، وَهُوَ الْحَرْبِيُّ وَقِيَامُ يَدِ الْمُودِعِ الْمُسْلِمِ حُكْمِيٌّ، فَاعْتِبَارُ الْحُكْمِيِّ إنْ أَوْجَبَ الْعِصْمَةَ فَالْحَقِيقِيُّ يَمْنَعُهَا وَالْعِصْمَةُ لَمْ تَكُنْ ثَابِتَةً فَلَا تَثْبُتُ بِالشَّكِّ.وَيَرُدُّ عَلَى هَذَا مَنْعُ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ ثَابِتَةً بَلْ كَانَتْ مَعْلُومَةَ الثُّبُوتِ مِنْ حِينِ أَسْلَمَ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى ثُبُوتِ مِلْكِهِ حَالَ كَوْنِهِ فِي يَدِ الْحَرْبِيِّ.وَالنَّصُّ يُوجِبُ فِي مِلْكِهِ الْعِصْمَةَ بِالْإِسْلَامِ.وَأَمَّا مَا كَانَ غَصْبًا فِي يَدِ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ فَقَالَ الْمُصَنِّفُ: هُوَ قول أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا.أَوْ قَالَ: (هَكَذَا ذَكَرَ الِاخْتِلَافَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ. وَذَكَرُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قول أَبِي يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَقَالَا: لَا يَكُونُ فَيْئًا إلَى أَنْ قَالَ: وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قول أَبِي يُوسُفَ مَعَ مُحَمَّدٍ، فَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا تَكْرَارٌ لَا مَعْنَى لَهُ.ثُمَّ قَالَ فِي النِّهَايَةِ: إنَّهُ تَتَّبِعَ النُّسَخَ، وَالصَّحِيحُ مِنْهَا أَنْ يُقَالَ: وَمَا كَانَ غَصْبًا فِي يَدِ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ فَهُوَ فَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَكُونُ فَيْئًا؛ لِأَنَّ رِوَايَةَ السِّيَرِ الْكَبِيرِ عَلَى مَا ذَكَرَ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ هَكَذَا، وَكَذَا فِي الْمُحِيطِ.وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا قول أَبِي يُوسُفَ مَعَ مُحَمَّدٍ، وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قول أَبِي يُوسُفَ مَعَ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ فَخْرَ الْإِسْلَامِ قَالَ فِي الْجَامِعِ: وَلَوْ كَانَ وَدِيعَةً عِنْدَ الْحَرْبِيِّ أَوْ غَصْبًا عِنْدَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ أَوْ ضَائِعًا فَهُوَ فَيْءٌ، وَهَذَا قول أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ: أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَا يَكُونُ فَيْئًا، وَكَذَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ والتمرتاشي وَغَيْرِهِمَا (لَهُمَا أَنَّ الْمَالَ تَابِعٌ لِلنَّفْسِ وَقَدْ صَارَتْ مَعْصُومَةً بِإِسْلَامِهِ فَيَتْبَعُهَا مَالُهُ. وَلَهُ أَنَّهُ مَالٌ مُبَاحٌ فَيُمْلَكُ بِالِاسْتِيلَاءِ، وَالنَّفْسُ لَمْ تَصِرْ مَعْصُومَةً بِالْإِسْلَامِ) بَلْ مَعَهُ بِسَبَبِ انْدِفَاعِ شَرِّهِ بِهِ فَإِنَّمَا هُوَ مُحَرَّمُ التَّعَرُّضِ فِي الْأَصْلِ لِكَوْنِهِ مُكَلَّفًا حَمَلَ الْأَمَانَةَ (وَإِبَاحَةُ التَّعَرُّضِ) كَانَ (بِعَارِضِ شَرِّهِ) فَلَمَّا انْدَفَعَ بِالْإِسْلَامِ عَادَ الْأَصْلُ (بِخِلَافِ الْمَالِ فَإِنَّهُ خُلِقَ عُرْضَةً لِلِامْتِهَانِ فَكَانَ مَحَلًّا لِلتَّمَلُّكِ) فِي الْأَصْلِ (وَلَيْسَتْ فِي يَدِهِ) حَالَ الْغَصْبِ لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا فَلَيْسَ فِي يَدِ أَحَدٍ (فَلَمْ تَثْبُتْ الْعِصْمَةُ) فَكَانَ مُبَاحًا بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ فِي يَدِ الْمُسْلِمِ أَوْ الذِّمِّيِّ وَدِيعَةٌ فَإِنَّهُ فِي يَدِ مَالِكِهِ حُكْمًا مَعَ الِاحْتِرَامِ فَلَمْ يَكُنْ فَيْئًا، وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمِلْكَ يَتِمُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ كَمَا ذَكَرَهُ أَبُو اللَّيْثِ يَقْتَضِي أَنْ يَزُولَ مِلْكُهُ إلَى الْمُسْلِمِ الْغَاصِبِ وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ مُبَاحًا، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى نُقْصَانِ الْمِلْكِ بِسَبَبِ زَوَالِ الْيَدِ.قولهُ: (وَلَيْسَتْ فِي يَدٍ حُكْمًا) أُنِّثَ عَلَى تَأْوِيلِ الْأَمْوَالِ.متن الهداية:(وَإِذَا خَرَجَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَعْلِفُوا مِنْ الْغَنِيمَةِ وَلَا يَأْكُلُوا مِنْهَا) لِأَنَّ الضَّرُورَةَ قَدْ ارْتَفَعَتْ، وَالْإِبَاحَةُ بِاعْتِبَارِهَا، وَلِأَنَّ الْحَقَّ قَدْ تَأَكَّدَ حَتَّى يُوَرِّثَ نَصِيبَهُ وَلَا كَذَلِكَ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ (وَمَنْ فَضَلَ مَعَهُ عَلَفٌ أَوْ طَعَامٌ رَدَّهُ إلَى الْغَنِيمَةِ) مَعْنَاهُ إذَا لَمْ تُقَسَّمْ.وَعَنْ الشَّافِعِيِّ مِثْلُ قولنَا.وَعَنْهُ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ اعْتِبَارًا بِالْمُتَلَصِّصِ.وَلَنَا أَنَّ الِاخْتِصَاصَ ضَرُورَةُ الْحَاجَةِ وَقَدْ زَالَتْ، بِخِلَافِ الْمُتَلَصِّصِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ أَحَقَّ بِهِ قَبْلَ الْإِحْرَازِ فَكَذَا بَعْدَهُ، وَبَعْدَ الْقِسْمَةِ تَصَدَّقُوا بِهِ إنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ، وَانْتَفَعُوا بِهِ إنْ كَانُوا مَحَاوِيجَ لِأَنَّهُ صَارَ فِي حُكْمِ اللُّقَطَةِ لِتَعَذُّرِ الرَّدِّ عَلَى الْغَانِمِينَ، وَإِنْ كَانُوا انْتَفَعُوا بِهِ بَعْدَ الْإِحْرَازِ تُرَدُّ قِيمَتُهُ إلَى الْمَغْنَمِ إنْ كَانَ لَمْ يُقَسَّمْ، وَإِنْ قُسِّمَتْ الْغَنِيمَةُ فَالْغَنِيُّ يَتَصَدَّقُ بِقِيمَتِهِ وَالْفَقِيرُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِقِيَامِ مَقَامِ الْأَصْلِ فَأَخَذَ حُكْمَهُ.الشَّرْحُ:فُرُوعٌ:أَسَرَ الْعَدُوُّ عَبْدًا ثُمَّ أَسْلَمُوا فَهُوَ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ أَسْلَمُوا عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْعَبْدُ جَنَى جِنَايَةً أَوْ أَتْلَفَ مَتَاعًا فَلَزِمَهُ قِيمَتُهُ بَطَلَتْ الْجِنَايَةُ، وَلَزِمَ الدَّيْنُ؛ لِأَنَّ حَقَّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ فِي رَقَبَتِهِ وَلَا يَبْقَى بَعْدَ زَوَالِ مِلْكِ الْمَوْلَى؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ زَالَ مِلْكُهُ بِالْبَيْعِ أَوْ الْهِبَةِ لَا يَبْقَى فِيهِ حَقُّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ، فَأَمَّا الدَّيْنُ فَفِي ذِمَّتِهِ فَلَا يَبْطُلُ عَنْهُ بِتَبَدُّلِ الْمِلْكِ، وَهَذَا لِأَنَّ الدَّيْنَ شَاغِلٌ لِمَالِيَّتِهِ فَإِنَّمَا مَلَكَهُ مَشْغُولًا بِهِ.فَلَوْ اشْتَرَاهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ أَوْ أَصَابَهُ الْمُسْلِمُونَ فِي غَنِيمَةٍ: أَيْ وَلَمْ يُسْلِمْ مَوْلَاهُ فَأَخَذَهُ الْمَوْلَى بِالْقِيمَةِ أَوْ الثَّمَنِ فَإِنَّ الْجِنَايَةَ لَا تَبْطُلُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ يُعِيدُهُ إلَى قَدِيمِ مِلْكِهِ، وَحَقُّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ كَانَ ثَابِتًا فِي قَدِيمِ مِلْكِهِ، وَلَوْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ قَتْلَ عَمْدٍ لَمْ تَبْطُلْ عَنْهُ بِحَالٍ.قولهُ: (وَإِذَا خَرَجَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَعْلِفُوا مِنْ الْغَنِيمَةِ وَلَا يَأْكُلُوا مِنْهَا لِأَنَّ الضَّرُورَةَ انْدَفَعَتْ، وَالْإِبَاحَةُ) الَّتِي كَانَتْ فِي دَارِ الْحَرْبِ إنَّمَا كَانَتْ (بِاعْتِبَارِهَا، وَلِأَنَّ الْحَقَّ قَدْ تَأَكَّدَ حَتَّى يُورَثَ نَصِيبُهُ، وَلَا كَذَلِكَ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ، وَمَنْ فَضَلَ مَعَهُ طَعَامٌ أَوْ عَلَفٌ يَرُدُّهُ إلَى الْغَنِيمَةِ مَعْنَاهُ إذَا لَمْ يَكُنْ قَسَمَ) الْغَنِيمَةَ فِي دَارِ الْحَرْبِ بِشَرْطِهِ، وَلَوْ انْتَفَعَ بِهِ قَبْلَ قِسْمَتِهَا بَعْدَ الْإِحْرَازِ يَرُدُّ قِيمَتَهُ وَهُوَ قول مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ فِي قول (وَعَنْهُ أَنَّهُ لَا يَرُدُّهُ اعْتِبَارًا بِالْمُتَلَصِّصِ) وَهُوَ الْوَاحِدُ الدَّاخِلُ أَوْ الِاثْنَانِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ إذَا أَخَذَ شَيْئًا فَأَخْرَجَهُ يَخْتَصُّ بِهِ.قُلْنَا: مَالٌ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَانِمِينَ، وَالِاخْتِصَاصُ كَانَ لِلْحَاجَةِ وَقَدْ زَالَتْ، بِخِلَافِ الْمُتَلَصِّصِ لِأَنَّهُ دَائِمًا أَحَقُّ بِهِ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ وَبَعْدَهُ، وَأَمَّا بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَيَتَصَدَّقُونَ بِعَيْنِهِ إنْ كَانَ قَائِمًا وَبِقِيمَتِهِ إنْ كَانُوا بَاعُوهُ.هَذَا إنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ، وَإِنْ كَانُوا مَحَاوِيجَ فُقَرَاءَ انْتَفَعُوا بِهِ إنْ كَانَ قَائِمًا (لِأَنَّهُ صَارَ فِي حُكْمِ اللُّقَطَةِ لِتَعَذُّرِ الرَّدِّ عَلَى الْغَانِمِينَ) لِتَفَرُّقِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا تَصَرَّفُوا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ، وَعَلَى هَذَا قِيمَةُ مَا اُنْتُفِعَ بِهِ بَعْدَ الْإِحْرَازِ يَتَصَدَّقُ بِهَا الْغَنِيُّ لَا الْفَقِيرُ (لِقِيَامِ الْقِيمَةِ مَقَامَ الْأَصْلِ) وَأَخْذِهَا حُكْمَهُ.
|